الفيزياء والفلك > علم الفلك

آينشتاين كان على حق!

تخيل نسيجًا شاسعًا غيرَ متناهٍ، نسيجًا غير مرئي يسري في الكون بأسره، هذا النسيج -واسمه الزمكان- هو المسرح الذي تدور عليه جميع الأحداث في الكون.

تخيل الآن كرة ثقيلة  تسقط على هذا النسيج، كيف ستتفاعل معه؟

ستحدث الكرة انحناءً في النسيج، تمامًا مثلما يحدث عندما تسقط صخرة على بركة من الماء، لكن بدلًا من تموجات الماء، فإنّ نسيج الزمكان يرسل تموجات تتدفق إلى الخارج من موقع التأثير، هذه التموجات هي موجات الجاذبية.

تنتقل موجات الجاذبية بسرعة الضوء، وهي تحمل طاقة هائلة، لكنها ضعيفة جدا؛ يصعب رصدها حتى بأفضل أدواتنا.

تخيل معي رصد اهتزاز خيط العنكبوت من على بعد أميال، هذا هو مدى صعوبة رصد موجات الجاذبية.

في عام 2015 أعلن مرصد LIGO (Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) عن أول رصد حقيقي لموجات الجاذبية التي كان مصدرها تصادم ثقبين أسودين هائلين على بعد 1.3 مليار سنة ضوئية، وقد حدث هذا بعد أكثر من مئة عام من تنبؤ آينشتاين بها في نظريته النسبية العامة (2).

افترض آينشتاين أن الزمن هو بعد رابع يُكمل الأبعاد المكانية الثلاثة، وعبر عنه "بالزمكان"، إذ وصف حركة الجسم بأنها سير من الماضي إلى المستقبل ضمن حيز المكان.

وافترض أن الأجسام ذات الكتلة الكبيرة تحني هذا النسيج الزمكاني، وأن الأجسام المجاورة لهذه الكتل تسير في خط مستقيم ضمن نسيج منحن، أي ستعود إلى نفس المكان الذي بدأت منه.

هذا الانحناء الناتج عن جسم ضخم لا ينشأ في كل مكان لحظيًّا، بل ينتقل من الداخل إلى الخارج بسرعة الضوء، فإذا غيّر جسم ضخم أو مجموعة من الأجسام مكانه، فإن تأثير الجاذبية (انحناء الزمكان) ينتشر بعيدًا في صورة موجة جاذبية.

الموجات الجاذبية تعرف بأنها اضطراب في هندسة الزمكان تتحرك عبر الكون بسرعة الضوء.

وتنشأ من الكتل الكبيرة التي تتحرك بسرعات قريبة من سرعة الضوء كأزواج النجوم النيوترونية والثقوب السوداء التي تصدر أثناء اصطدامها واندماجها هذه الموجات المترددة في الكون وتحمل معلومات نظيفة جدًّا عن مصادرها. وعلى عكس الضوء، فإن موجات الجاذبية تتأثر بالمادة تأثرًا ضعيفًا جدًّا، مما يسمح لموجات الجاذبية بالمرور مباشرة عبر المادة وتوفر صورة واضحة لمصادر الفيزياء الفلكية التي ظلت غامضة حتى الآن.

إضافة إلى ذلك، فإنها تساعد في الكشف عن كيفية تحرك الكتلة في اللحظات الأولى بعد الانفجار الكبير، إذ إنها نشأت في وقت مبكر جدًّا من تطور الكون، في الوقت الذي ظل فيه الكون معتمًا أمام الموجات الكهرومغناطيسية، ويعرفنا أيضًا على كيفية تفاعل الكتلة والزمكان في الأحداث النجمية الكبرى.

تعمل موجات الجاذبية على مد الفضاء في اتجاه واحد بينما تقلصه في الاتجاه الثاني العمودي عليه، وبالتالي أي جسم سيقع ضمن مجال موجات الجاذبية سيتعرض للتمدد والتقلص إلى حد معين مما يجعل هذه الخاصية هي أساس فكرة مرصد أمواج الجاذبية (LIGO).

يتألف المرصد من ذراعين متعامدين، طول كل واحد منهما 4 كم. تقسم مرآة عاكسة جزئيًا الضوء الصادر من الليزر إلى شعاعين، ينتشران بعد ذلك على طول الأذرع المتعامدة، وتعكس المرايا المعلقة بحرِّية في نهايات هذه الأذرع شعاع الضوء، مما يعيدها إلى نقطة مشتركة عند المرآة المقسمة للأشعة. 

فإذا مرت موجة جاذبية واصطدمت بأحد أشعة الليزر ضمن الذراع فإنها ستؤثر على شكل موجتها، ويختلف الزمن الذي تصل به الموجة إلى المرآة مرة أخرى، لذا فسيكون شكل التداخل بين شعاعي الليزر مختلفًا كذلك (1,2).

بعد ذلك، تؤخذ البيانات التجريبية لموجات الجاذبية وتُقارَن بتنبؤات نظرية النسبية، وفي بعض الأحيان تكون إشارة موجة الجاذبية ضعيفة جدًّا إلى لدرجة أنه لكي نحميها من أن تطغى عليها الضوضاء، يجب أن نبحث عن التطابقات بين الإشارة ومجموعة من قوالب أشكال الموجات المتوقعة المحتملة (2).

في محاولة لزيادة مجال الرصد الموجي ليشمل ترددات أقل من 1 هرتز، يجري العمل على مرصد ذي أنابيب عمودية يشبه في عمله الساعة الذرية ويصل ارتفاعه إلى 1 كيلو متر لذلك سيوضع أسفل الأرض في ولاية شيكاجو، وينتهي صنعه في عام 2027 باسم MAGIS-100

(3).

تعد موجات الجاذبية أداة جديدة قوية لفهم الكون؛ إذ تفتح نافذة جديدة على بعض أكثر الأحداث غموضًا في الوجود. مع استمرار رصد موجات الجاذبية، سنكتشف بلا شك أسرارًا جديدة مذهلة، يمكننا القول إن هذا النوع الجديد من الفيزياء الفلكية لديه إمكانيات هائلة لإحداث ثورة حقيقية في العلوم مستقبلًا.

المصادر:

1. Gravitational Waves and the Effort to Detect them [Internet]. American Scientist. 2017 [cited 2024 Jul 5]. Available from: هنا

2. Sormani C. A Two-Part Feature: The Mathematics of Gravitational Waves. Notices of the American Mathematical Society. 2017 Aug 1;64(07):684–5.[cited 2024 Jul 5]; Available from: هنا

3. D. Five new ways to catch gravitational waves — and the secrets they’ll reveal. Nature [Internet]. 2024 Jun 27 [cited 2024 Jul 5];631(8019):20–3. Available from: هنا