كتاب > معلومة سريعة

هل ينتهي الغباء يومًا؟ مراجعة لكتاب: الغباء البشري- كارلو شيبول

على بساطة هذا الكتاب وإيجاز مادَّته، فإنه يقدِّم فكرةً غاية في الأهمية، وينوِّه إلى الشرور غير المُبررة، والآلام التي يُمكننا تفاديها ببعض الفطنة والدراسة التمحيصية للمجتمعات، إضافةً إلى فهم القوانين البشرية التي تحكمنا لنتمكنَ من التأقلم مع طبائعنا بصورة أفضل.

يُقسِّم الكاتب البشر إلى أربعة أقسام:

1- المغلوب على أمرهم: وهُم الذين يتسبَّبون بالضَّرر لأنفسهم لتحقيق المنفعة لغيرهم.

2- قطاع الطرق: وهم الذين ينفعون أنفسهم، وذلك عندما يُلحقون الضرر المعقول بالآخرين (أي ضرراً لا يحمل أبعاداً نفسية عظيمة).

3- الأذكياء: وهم الذين ينفعون أنفسهم والآخرين بأفضل الطرق وينجحون في التوصل إليها.

4- الأغبياء: وهم الذين يضرُّون الآخرين من دون أن يعودَ ذلك عليهم بأيِّ فائدة، وعن هؤلاء تمحور الكتاب.

إنَّ الغبي ببساطة هو من يتسبب للآخرين بالمعاناة، والذي يُمكن أن تُحدِث تصرفاته كوارثَ عديدة لا يُلقي لها بالاً، من دون أن تعود عليه بمنفعة تستحق الثمن المدفوع لأجلها، ويشير الكاتب إلى أنَّ هذه النسبة من البشر تظل متواجدة ومنتشرة في مختلف المجتمعات، بصرف النظر عن المستوى التعليمي والثقافي والمعيشي، فالأمر مرتبط بجاهزية المرء البيولوجية والعقلية لإنتاج مواقف وأفكار غبية تورثه وغيره التهلكة من دون أن يزِن الأمور ويقيِّمها.

"سيقوم الشخص الغبي بإزعاجك من دون أيِّ سبب، ومن دون أيِّ فائدة، ومن دون أيِّ خطة أو مشروع، وفي الأوقات والأمكنة الأبعد عن التوقع. لن تكون لديك طريقة عقلانية لتعرف إذا كان شخصٌ غبي سيهاجمك، ولا متى ولا كيف ولا لماذا. وحين تواجه شخصاً غبيَّاً، ستكون تحت رحمته بكلِّ ما في الكلمة من معنى" 

وعندما يصل الأغبياء إلى مراكز السلطة وصنع القرار، وكثيراً ما يصلون، فإنهم يتسببون لمجتمعاتهم بمعاناة مُستمرة وكارثية تكون أوسع نطاقاً وأطول أمداً، بل إن كوارثهم تكون مُفزعة لأنها تستنزف شعباً بأكمله وتورثه مشكلات ضخمة تحتاج إلى وقتٍ وموارد وعقولٍ أخرى لعلاجها، وهكذا تنجح البلاد التي يتمكن فيها الأذكياء من احتلال مراكز صنع القرار وتحييد أثر الأغبياء وتفاديه بوسائلَ عديدة، بينما تفشل نظيرتها التي تُسلم أمرها إلى الأغبياء ليفسدوا الثروات ويهدروها.

ويشير الكاتب إلى مواجهة الأقسام الثلاثة من البشر صعوبة كبيرة في فهم اللامنطق الذي يعتمد عليه فكر الأغبياء، ومن هنا فإنهم يفشلون في إدراك خطورة الأفعال الغبية وتأثيرها الكارثي في المجتمع، وعندما يقع هجوم الأغبياء، فإنه يقع بصورة مفاجئة ولاعقلانية ولامنطقية، يُعجز البقية تماماً إذ لا يُمكن ترتيب دفاعٍ عقلاني على هجوم الغبي المُفتقر أصلاً إلى الأساس العقلاني، وعلى الرغم من التداخل الذي يشير إليه بين الأقسام الأربعة، غير أنَّ الأمر يظلُّ قائماً من جهة الجاهزية العقلية والنفسية والبيولوجية للتصرف الذكي أو الغبي أو غيرهما.

إنه كتابٌ ذكي في الحقيقة، وموضوعاته غايةٌ في الأهمية.

المصدر:

شيبولا، كارلو، الغباء البشري، ترجمة عماد شيحة، دار الساقي، بيروت (2022)