الفنون البصرية > فنانون عالميّون
شيله…أعمال فنيّة أم إباحيّة؟
شيله أعمال فنيّة أم إباحيّة؟
العريٌّ المؤلم والإثارة الجامحة ألحان ٌ لاتعزفها إلّا لوحاته، ولا تنتشي بسكرتها إلّا شخصياته الهزيلة المتآكلة، فقد اتُّهم بالإباحيّة والإساءة للفنّ لكنّه أصبح أحد أهم فنانيّ القرن العشرين، إيغون شيله من يكون ؟
بدايته:
يُعدّ إيغون شيله (Egon Schiele) الذي وُلِد في بلدة تولن (Tulln) بالنمسا عام 1890م أحد أبرز روّاد الفّن التعبيري فيها (1)، وتربى في أسرةٍ متواضعة مكوّنة من شقيقتين أكبر منه، ميلاني وإلفيرا (Melanie and Elvira)،وغالباً ماكانت الأولى-التي تزوجت في النهاية من صديقه العزيز الفنان أنطون بيشكا(Anton Peschka)-موديلاً له، وشقيقته الصغرى غيرتي (Gerti)، التي كان مقرباً منها للغاية، حتى وصفت بعض الروايات علاقتهما بالمحرّمة (1).قادته موهبته الفنيّة المبكرة للتقدم إلى أكاديميّة ﭬيينا للفنون الجميلة (Academy of Fine Art)عام 1906م، ليصبح أصغرَ الطلاب المقبولين فيها؛ إذ التحق بالفصل الدراسي للمعلم كريستين غريبينكيرل (Christian Griepenkerl)، الذي لم تتوافق أساليبه الصارمة القديمة مع أفكار شيله (2).
تأثير كليمت العميق:
في عام 1907م تعرّف على الفنان غوستاف كليمت (Gustav Klimt)-المؤسس لحركة الانفصال النمساوي الفنيّة (Viennese Secession ) (3)- الذي أصبح مرشده وعرّابه الفنيّ، وسرعان ما شاركه شهيّته الجنسيّة المفرطة وورِث تركيزه على الصورة المثيرة للشكل الأنثوي، فعبّر شيله في لوحة "النسّاك" (The Hermits) التي تظهره واقفاً برفقة كليمت كأنّهما شخص واحد عن تقديره للصداقة التي تجمعهما (1,3)، كذلك لم يقتصر تأثيره الكبير على تطوّر شيله الفنيّ في المرسم فحسب لكنّه أيضاً عرّفه على عملاء، وعارضين وأعمال فنانين آخرين (1).
اكتشافه لأسلوبه الخاص:
شارك شيله بمعرضه الفنيّ الأول عام 1908م، ثمّ بعدها بسنة بدأ التمرّد على طرق أكاديميّته المحافظة، وتركها مع مجموعة من زملائه ليؤسسوا مجموعة الفنّ الجديد (New Art Group) التي أقامت معارض عديدة في ﭬيينا ،وخلال ذلك كان يكتشف أساليب جديدة للتعبير التصويري مفضلاً استخدام خطوط ملتوية قاسية وألوان داكنة أكثرمن تلك المستخدمة بحركة الفن الجديد (ART Nouveau Style)، وبهذا كان يخرج من عباءة كليمت تدريجيّاً (1).
افتتانه بالصور الشخصية والأجساد المشوّهة:
كان التأمل في وجوده من محاور اهتماماته الفنيّة، وقد انعكس ذلك بإنتاجه لعدد لا يحصى من الرسومات الشخصية، والمناظر الطبيعيّة، ومشاهد من المدينة، كذلك تمكن من نقل الحاجة الملحّة لاستجواب الجسد بلا هوادة عبراستخدام الإيماءات الغريبة وتعبيرات الوجه (2)؛ مُساهماً بذلك في إعادة إحياء هذه الأنماط الفنيّة وتطويرها من خلال تقديمها على نحوٍ غير مسبوق من الصراحة الجنسية والعاطفية، بالإضافة إلى تمرده على مفاهيم الجمال التقليديّة واستبدالها بالأجساد المشوّهة والملتويّة؛ إذ تميّزت أغلب بورترياته بالشخصيّات العارية المتموضعة بزوايا جريئة قلقة والمشحونة بالعاطفة المبالغ بها (1).
تحطيم المحظورات ودخوله إلى السجن:
وفي عام 1912م أُلقيَ القبض عليه في مرسمه في بلدة نويلنغباخ (Neulengbach) بتهمة اختطاف واغتصاب فتاة بعمر الثانية عشر، وعلى أثر ذلك الاتهام سجن لمدة أربعة وعشرين يوماً لكن أُسقطت هذه التهم في النهاية، وقد أُدين بتعريض الأطفال لصورجنسية فصادرت الشرطة مئة وخمسة وعشرون عملاً من أعماله الفاضحة كما أحرق القاضي إحدى رسوماته في المحكمة، فقد كان العمل الذي يُظهر فتاة يافعة عارية من خصرها إلى الأسفل،قد عُرض سابقاً على جدار مرسمه، وكان للحادث تأثير ملحوظ على شيله، فقد توقف بعد ذلك عن استخدام الأطفال كموديلات له (1).
إنجازاته:
عُرِف شيله بغزارة إنتاجه؛ إذ قدّم حوالي ثلاث آلاف لوحة أشهرها لوحة "بورتريه شخصي مع نبات كرز القدس أو الفانوس الصيني" (Self- Portrait with Chinese Lantern Plant) التي يحدق فيها مباشرة في المشاهد، وتشير ملامحه إلى الثقة في مواهبه، على الرغم من أنه شوهها على نحو أقل من البورتريهات الأخرى إلّا أن اللوحة بندوبها وخطوطها المميّزة ترفض إضفاء الطابع المثالي على موضوعها، بالإضافة إلى لوحة "العذراء والموت" (Death and the Maiden) التي تعبق برائحة الألم والعذاب بسبب انفصاله عن محبوبته والي نيوزيل (Wally Neuzil) (1).
إن أضخم وأهم مجموعاته الفنيّة توجد في متحف ليوبولد (Leopold Museum) الذي يضم ثلاث وأربعين لوحة وأكثر من مئتي لوحة مائيّة، رسومات ومطبوعات، بالإضافة لعدد كبير من الكتابات والنصوص المتنوعة (1).
رحيل شيله المأساوي:
في الوقت الذي كان فيه شيله في أوج نجاحه التجاري الذي استعصى عليه خلال حياته المهنيّة باغته وباء الإنفلونزا الإسبانيّة، فتوفي في ﭬيينا 1918م عن عمر يناهز28 عاماً بعد رحيل زوجته الحامل بثلاثة أيام بذات المرض تاركاً خلفه لوحته الأخيرة "إديث شيله على فراش الموت" (Edith Schiele on Her Deathbed)، وفيها صوّر مدى تأثره بتعبها ومعاناتها (3).
أثره الفني:
على الرغم من حياته القصيرة، فقد تمكن شيله من إيجاد أوجه تشابه على مستوى الفنون البصريّة لأزمة الفرد التي تناولها بطرق لا تُعد ولا تحصى في الفلسفة، وعلم النفس ،والأدب ،والمسرح في النمسا حوالي عام 1900(2)، إضافةً إلى أنه أنشأ أعمالاً فنيّة رائدة في عصره وبهذا يُعدُّ واحداً من أكثر الشخصيات التأسيسيّة في الحداثة الفيينيّة (Viennese Modernism) (2).
المصادر: