الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

فلسفة الزن (Zen)

نشأت فلسفة الزن (Zen) في الصين، ثم انتقلت إلى اليابان، ومنها إلى الغرب.

وعلى الرغم من أن منشأها الصيني، إلا أننا نجدها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبوذية في الهند، وكان لها كثير ٌمن المنتجات الفكرية أبرزها أشعار الهايكو.

فما هي فلسفة الزن؟ وما أهم تعاليمها؟

جاءت تسمية الزّن، والتي تعني ممارسة التأمل في وضعية الجلوس من الكلمة الصينية الأصل (تشان)، التي بدورها تُرجمت من الكلمة السنسكريتية (زيانا)، إلّا أن الأصول التاريخية لمذهب الزن تعود إلى البوذية الهندية الأولى، وتعتبرُ التأمل العميق المكونَ الأبرز من المكونات الثلاثة المطلوبة لإتقان تعلم البوذية. (المكونان الآخران هما مراعاة المبادئ الأخلاقية، وتجسيد حكمة عدم التمييز).

وقد اتخذ (التأمل) اسماً لهذه المدرسة الفلسفية لأن بوذا كان قد توصل إلى الاستنارة عن طريق التأمل (1)، ومع ذلك يُعدُّ من الخطأ ممارسة التأمل على اعتبار أنه السبب في الوصول إلى التنوير؛ لأن حالة الاستنارة موجودة أصلاً في عقولنا؛ يشبه ذلك عائلة فقيرة لا تعلم بوجود كنز مدفون تحت بلاط منزلها، فالتأمل والممارسات الأخرى هي الوسائل التي تضعف تمسكنا بما اعتدنا عليه وما يشتت انتباهنا عمّا هو موجود أصلاً في ذواتنا (2).

ويُعدُّ التنوير هدفاً أساسيَّاً من ممارسة التأمل، وواجباً أخلاقيَّاً بالنسبة لأتباع الزن، فالوصول له من أجل مصلحة الفرد وحده تجعله عالقاً في إطار مصلحته الشخصية التي تبقيه في دائرة المعاناة.

لذلكَ يؤكد أتباع الزن أن هذا المذهب لا يُعنى بعقولنا نحن فقط، أو بممارستنا للتأمل وإحرازنا للتقدم الشخصي، بل يتعلق بجميع الكائنات الأخرى، ويسعى إلى تحريرها من دائرة المعاناة (2).

وللوصول للحظة الاستنارة يتبع المتدربون في مذهب الزن أسلوبين أساسيين هما: مجرد الجلوس، و(كوان Koan).

أسلوب مجرد الجلوس (Just Sitting): يُقصد بكلمة مجرد (just) ممارسة التأمل دون تدخل المصالح الذاتية أو الاهتمامات أو الرغبات (1)، وخلال ممارسة تدريب (مجرد الجلوس) لا يركز الممارس على التنفس أو أي شيء آخر، ولكنه يترك العقل ليعمل بحرية. والقصد من ذلك أن يبقى العقل يقظاً وحاضراً وألّا يتيه في الأفكار وليست هذه حالة من الفراغ الذهني؛ إذ لا تُكبح المشاعر والأفكار، ولكن الممارس يتحرر منها فتعبر في ذهنه كالسحب في السماء، ويشرح أتباعُ الزن أنه لا يجب على ممارس هذا الأسلوب أن يكافحَ من أجل الوصول إلى السلام الذهني، ولا أن يتشبث به عندما يختبرُه، فهم يُركزون على عدم التفكير بتمرين (مجرد الجلوس) على أنه طريق يقود للتنوير؛ فالهدف هو ذلك الشعور بالوعي في تلك اللحظة ذاتها (2).

أسلوب كوان (Koan): 

يُصاغ هذا التمرين على شكل ألغاز وأحاجي لا يمكن حلها عن طريق التفكير العقلاني وحده دون اختراق حواجز وعي الذات والذهاب بها إلى حدودها القصوى (1)، وتتعلق هذه الأسئلة أو الألغاز بالمتناقضات التي يُعرف بها فلاسفةُ الزن.

 ومن أشهر هذه الأسئلة: "كيف يبدو صوت التصفيق بيدٍ واحدة؟" معظمُ عبارات (كوان) تكون أطولَ من ذلك غالباً، وقد تكون عبارة عن حوارات مأخوذة من السير الذاتية لمعلمي الزن.

وخلال ممارسة التمرين؛ يتأمل التلاميذ عبارات (كوان) ويقدمون تفسيرهم لهذه العبارات للمعلم الذي يمكنه تقييمُ التقدم الذي أحرزه المتعلم.

وفي طريقة أخرى لممارسة التمرين، توضع هذه العبارات موضعَ التركيز وتُلقى على شكل ترنيمة خلال جلسات التأمل، وينجم عن ذلك برأي أتباع الزن اختبار لحظة الوعي (2)، بالنسبة لهم إن وعي الذات محصن بنمط مفاهيمي ثنائي وما يصاحبه من اشتراطات وافتراضات يجب التحرر منها للوصول إلى الوعي (1)، ويُعبر فلاسفةُ الزن عن التخلص من هذه النظرة الثنائية بعبارة (ليس اثنين Not Two)، فماذا تعني الثنائية في مذهب الزن؟

 على الرغم من أن التغلب على الثنائية يُعدُّ هدفاً من أهداف ممارسي الزن، إلّا أنهم لاينكرون وجودها، بل يعبرون عن ذلك بقولهم: "إن واجهت الأمر يختفي" والمواجهة تفترض أساساً وجود موقف ثنائي.

ويقصد بكلمة (اثنين) في عبارة (ليس اثنين) كل الثنائيات التي تظهر في حياتنا اليومية (1).

ولإيضاح هذه الفكرة يرى أتباع الزن أنه يجب التعبير عن  العقل والجسد، الأنا والآخرون، والأنا والطبيعة كشيء واحد،: "إن الأرض والنعيم يشتركان بالجذر ذاته، أنا والأشياء التي لا تعدُ ولا تحصى من حولي واحد"، وبذلك تنادي فلسفة الزن بالمنظور الكلي الضروري لتحقيق المعرفة الحقيقية (1).

من أهم الثنائيات التي تحدث فلاسفة الزن عن ضرورة تجاوزها والتحرر منها هي ثنائيات الحياة/الموت والخير/الشر.

ثنائيات الحياة/الموت والخير/الشر:

يقول معلم الزن الياباني دوغين (Dogen 1200-1253): "من الخطأ الاعتقاد بأن الإنسان يعبر من الحياة إلى الموت." فنحن في حياتنا اليومية نعتقد أننا الآن أحياء وأننا سنموت في وقت ما في المستقبل، وأننا نتجه تدريجيَّاً من الحياة إلى الموت. يصر (دوغين) أنه من الخطأ فهم الحياة والموت بهذه الطريقة، إذ يرى فلاسفة الزن أننا عندما ننظر إلى الحياة  والموت على أنهما عملية انتقال من السابق إلى التالي فإننا ننظر إلى الموت بوصفه موضوعاً منفصلاً ومستقلاً عن ذواتنا وكذلك الحياة (3)، وبهذه الطريقة لايمكن فهم الحياة الحقيقية، بل يجب الإحاطة بها من الداخل انطلاقاً من الذات، وعندها سندرك أن الحياة والموت ليسا منفصلين؛ فنحن، بنظر فلاسفة الزن، نحيا ونموت في الوقت ذاته وبغض النظر عن العمر؛ فالطفل المولود حديثاً قد بدأ موته، وكذلك الرجل العجوز على فراش الموت ما يزال حيّاً. دون الموت لا وجود للحياة ودون الحياة لا وجود للموت (3).

بذلك يمكن فهم العلاقة بين الخير والشر أيضاً؛ إذ يرى أتباع الزن (ويتفقون في ذلك مع البوذية) أن الموتَ والشر يملكان ذات التأثير والعمق في الوجود الإنساني، وفكرة تفوّق الحياة والخير على الموت والشر مجرد وهم (3).

تبعاً لذلك لا يهدف فلاسفة الزن إلى الوصول إلى الخير الأسمى أو الحياة الأبدية، بل إلى ما هو ليس موتاً وليس حياةً، ليس خيراً وليس شراً، أي إلى (التجرّد) (3).

من هذا المنطلق يمكن فهم وحدانية المكان والزمان بالنسبة لفلاسفة مذهب الزن، أو ما يطلقون عليه اسم ( اللامكان واللازمان).

اللامكان واللازمان:

يعني فلاسفة الزن بذلك أن أياً من الزمان أو المكان لا يمكن أن يحدَّ من بصيرة الممارس للزن؛ ففي اللازمان لا يوجد فرق بين الماضي والحاضر والمستقبل، أو بين قبل وبعد، وفي اللامكان لا يوجد فرق بين الكل وأجزائه.

واستناداً لذلك، يؤمن أتباع مذهب الزن بفكرة (هنا والآن) أي أن وقتاً واحداً هو كل الأوقات، وجزءاً واحداً هو الكل (1).

ختاماً، يمكننا إذا أن نخلص بعبارة واحدة إلى أن الزن هي حالة الوعي والإدراك التام لطبيعة الذات التي هي ذاتها بالنسبة لهم طبيعة الكون.

المصادر:

1. Nagatomo S. Japanese Zen Buddhist Philosophy (Stanford Encyclopedia of Philosophy) [Internet]. Plato.stanford.edu. 2006 [cited 10 June 2021]. Available from: هنا
2.       VAN SCHAIK S. The Spirit of Zen. New Haven: Yale University Press; 2018. Available from: هنا
3. Heine S. Life and Death’ and ‘Good and Evil’ in Zen. In: Abe M, ed. by. Zen and Comparative Studies [Internet]. 1st ed. London: Palgrave Macmillan; 1997 [cited 10 June 2021]. p. 34-37. Available from: هنا