الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
النظام الغذائي النفسي؛ هل تؤثر أمعاؤك حقًا في صحتك النفسية؟
أصبح موضوع الصحة العقلية أحد الموضوعات الرئيسة المُناقَشَة في العقود الأخيرة، وذلك لانها ترتبط ارتباطاً وثيقًا بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض، وعامل خطر الوفاة المبكرة، وانخفاض الإنتاجية اليومية. وقد ذكرت دراسة العبء العالمي للأمراض والإصابات وعوامل الخطر (GBD) في عام 2019 أن أكثر مشكلات الصحة العقلية شيوعًا هي الاكتئاب والقلق (1).
وقد حظي تأثير النظام الغذائي في تركيبة ميكروبات الأمعاء ودور النظام الغذائي في دعم الصحة العقلية المثلى اهتامًا كبيرًا في العقد الماضي، إذ أثرت التغيرات في النظام الغذائي البشري -التي تزيد احتمالية زيادة الوزن والإصابة بالسمنة- في صحة الأمعاء كثيرًا. وعلاوة على ذلك، أدت الحياة الحديثة وتأثيرها في ميكروبيوم الأمعاء أيضًا إلى تغييرات جوهرية في طيف الأمراض البشرية، وتحويل التركيز من الأمراض المعدية التقليدية إلى الأمراض العقلية المتكررة والمتزايدة، كالاكتئاب (2,3).
تتوفر عديد من خيارات العلاج -كإدارة الوزن السلوكية والعلاج السلوكي المعرفي - للسمنة والاكتئاب حاليًا، ومع ذلك لم يجري بحث معمق وكافٍ عن العلاجات التي تستهدف كلتا الحالتين في وقت واحد. العلاج الرئيس الذي يُقدم عادةً هو تطبيق نمط حياة ذاتي وهو أمر لا يمكن تقييمه كميًّا (1).
وازداد الاهتمام بدراسة استهداف ميكروبات الأمعاء في الآونة الأخيرة، للتأثير المفيد في الوزن من جهة وفي وظائف المخ من جهة أخرى، فمحور ميكروبات الأمعاء والدماغ (GBA) عبارة عن شبكة اتصال معقدة تربط الأمعاء وميكروبات الأمعاء والدماغ، وتؤثر في جوانب مختلفة من الصحة والمرض (3,4).
تتكون ميكروبات الأمعاء من تريليونات البكتيريا التي تعيش داخل الجهاز الهضمي (GIT)، التي تطورت مع المضيف البشري على مدى آلاف السنين، مما أدى إلى علاقة تكافلية. يتضمن تكوين ميكروبات الأمعاء البشرية فصيلتين بكتيريتين رئيستين تنتميان إلى (Firmicutes) و(Bacteroidetes) وفصائل أخرى أقل انتشارًا، بما في ذلك (Proteobacteria) و(Actinobacteria) و(Fusobacteria) و(Verrucomicrobia) (4).
وقد برزت البروبيوتيك النفسية (السايكوبيوتيك - Psychobiotics) استراتيجيةً واعدةً في هذا المجال، إذ أظهرت الدراسات التجريبية التي أجريت على أشخاص أصحاء أن سلالات معينة من البروبيوتيك قد تؤثر في أعراض اضطراب الأمعاء والدماغ المرتبط بالتوتر، وتغير نشاط الدماغ في أثناء الراحة والأداء الإدراكي والذاكرة، وأن أي خلل في توازن ميكروبات الأمعاء يؤدي إلى تغييرات في التركيب الميكروبي ووظيفته (3,4).
ما (السايكوبيوتيك - Psychobiotics)؟
البروبيوتيك عمومًا هي كائنات حية دقيقة، وعند تناولها بكميات كافية، فإنها توفر فوائد لصحة المضيف. تتكون البروبيوتيك من عديد من أنواع الميكروبات. الميكروبات الأكثر استخدامًا بصفتها بروبيوتيك هي الأنواع من أجناس (Lactobacillus) و(Bifidobacterium) و(Saccharomyces). تُعرّف البروبيوتيك ذات الوظائف المحددة للصحة العقلية باسم السايكوبيوتيك، وتختلف عن البروبيوتيك التقليدي في قدرتها على إنتاج النواقل العصبية والأحماض الدهنية قصيرة السلسلة والهرمونات المعوية الصماء والسيتوكينات المضادة للالتهابات أو تحفيز إنتاجها (1,4).
إن الحمية الغذائية المعتمدة على السايكوبيوتيك هي حمية تعتمد على الألياف الغذائية والأطعمة المخمرة عمومًا، التي تتميز بتأثيرات مضادة للالتهابات (2).
فوائدها وتأثيرها في الحاجز الدماغي المعوي:
أظهرت نتائج عديد من الدراسات انخفاضًا في مستوى البكتيريا المفيدة المضادة للالتهابات، كـ (Faecalibacterium) و(Coprococcus) لدى مرضى اضطراب الاكتئاب الشديد (MDD)، والاضطراب ثنائي القطب، وفقدان الشهية العصبي، واضطرابات القلق، واضطراب الوسواس القهري (OCD)، واضطراب نقص الانتباه، وفرط النشاط (ADHD)، في حين أنهم عانوا من زيادة مستويات البكتيريا المؤيدة للالتهابات أيضًا، كـ (Eggerthella) مقارنةً بالحدود الصحية (3).
وقد بيّنت الدراسات أن تناول البروبيوتيك له تأثيرات إيجابية في صحة ميكروبيوم الأمعاء، وصحة الحاجز المعوي، والاستجابة المناعية، ومستويات الكورتيزول، ومحور تحت المهاد، والغدة النخامية، والغدة الكظرية، لهذا يمكن استخدامها بصفة علاجٍ مساعد للاكتئاب خصوصًا في الحالات المقاومة للعلاج الدوائي (3).
إذ تنتج الميكروبيوم المعوية الفيتامينات، كفيتامين B (حمض الفوليك والبيريدوكسين)، التي -عند نقصها- قد تشارك في مسببات الاكتئاب، وتعيق علاجه لدى المرضى، فضلًا عن أنه قد يقلل البيريدوكسين أعراض الاكتئاب والقلق أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك، تعد ميكروبات الأمعاء مصدرًا وفيرًا للمستقلبات المتمايزة التي تعمل بصفتها صندوقًا للأدوات الكيميائية في الاتصال بين الأمعاء والجهاز العصبي المركزي عن طريق مسارات GBA، وتشمل هذه التربتوفان وحمض جاما أمينوبوتيريك (GABA) والهيستامين والسيروتونين والأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (SCFAs) والدوبامين وأستيل كولين (ACh)، وتمارس جميعها تأثيرًا وفق آليات متنوعة للحفاظ على الصحة العقلية، كنضوج الجهاز المناعي، وتنظيم عملية التمثيل الغذائي للمغذيات، وتؤدي هذه المركبات الأيضية دورًا محوريًّا في حماية سلامة حاجز الأمعاء، وتعزيز مرونة الطبقة المخاطية، وإعاقة تسلل مسببات الأمراض والسموم الضارة إلى مجرى الدم (3-1).
على سبيل المثال، فإن (SCFA) كمستقلبات بروبيوتيك تؤدي دورًا في العمليات المضادة للالتهابات التي تؤدي إلى زيادة إنتاج IL-8 ، ومن ناحية أخرى، تعمل بصفة مضاد للسمنة عن طريق زيادة حساسية الأنسولين وأكسدة الأحماض الدهنية وتقليل تراكم الدهون (1).
فعلى الرغم من الدراسات العديدة عن اتصال GBA، فإن الآليات الدقيقة لعمل هذا المسار لا تزال غير مفهومة تمامًا. لكن يعد ضمان اتباع نظام غذائي صحي والحفاظ على وظيفة الأمعاء المثلى أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق الرفاهة العقلية، نظرًا إلى الارتباط القوي بين صحة الأمعاء والحالة العقلية.
المصادر: