الفنون البصرية > منوعات فنية

الفن والثورة

"على الرغم من أنني ربما لم أقاتل من أجل بلدي، فإنني على الأقل لدي أن أرسم من أجلها."

"لقد عاد إلهامي، وسيصبح هذا العمل الذي أُنتجه -الحرية التي تقود الشعب- لوحة بقياس كبير تصور موضوعًا يفضله الفنانين ذوي الرؤية المستقبلية..

الثورة!" (1)

إن الفن المستوحى من الثورات والانتفاضات التي تهدف إلى الإطاحة بحكومة أو نظام اجتماعي معين، هو عمل ٌيمتمد إلى نطاق البلاد، والثقافة، والزمن، ولا يعرف حدودًا (1).

في هذا المقال سنستعرض أهمية الدور الذي يؤديه الفن في تصوير مختلف الثورات في بقاع جغرافية متنوعة وعلى مر العصور، كالأعمال التي تمثّل الثورات الثقافية الفرنسية، والأميركية، والروسية، والصينية، والدور الذي أدته في بناء الدعم للأنظمة الحاكمة، سواءً كان ذلك عن طريق المشاهد السردية، أو الملصقات الدعائية (2).

ونستعرض الوجه الاخر للفن الثوري بصفته أداةً تستخدم لهدم هذه الدعم والأنظمة، ولإظهار المعارضة أو الإحباط تجاه القوى الحاكمة أو الثورة نفسها (2).

أعمال فنية أثارتها الثورة:

Liberty Leading the People by Eugène Delacroix ( الحرية تقود الشعب - يوجين ديلاكوي)

غزت مجموعة من الثوار الباستيل في 14 تموز 1789، وهو سجن قلعة من العصور الوسطى التي تحولت إلى سجن الدولة في باريس، واحتجاجًا على النظام الملكي الفرنسي، أطلق هذا الحدث العنيف والمعروف باسم اقتحام الباستيل -الثورة الفرنسية- وهي مدة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية (1)،  في حين أن الثورة استمرت على مدى عشر سنوات، إلا أن التوترات التي رافقتها امتدت إلى القرن التاسع عشر، وهو ما نراه واضحًا في اللوحة (1).

تصور اللوحة  تفسير ديلاكوي الاستعاري لثورة تموز عام 1830، إذ تقع اللوحة في شوارع باريس -يمكن رؤية كاتدرائية نوتردام على مسافة دخانية-، وتتميز بامرأة تقود الثوار إلى النصر، ويعتقد أن هذا الشكل الرمزي هو نسخة مبكرة من ماريان، وهي تجسيد للجمهورية الفرنسية، وهي تحمل انتصارًا ثلاثي الألوان (العلم الأحمر والأبيض والأزرق للثوار، ولاحقا لفرنسا)، وترتدي قبعة فريجان (قبعة يرتديها العبيد المحررون تاريخيًّا) (1).

The Uprising by Honoré Daumier ( الانتفاضة - أونوريه دومييه)

لم تكن ثورة تموز هي المرة الأخيرة التي تمتلئ بها الشوارع الفرنسية "بالقتال في كل مكان" في عام 1848، إذ شهدت البلاد سلسلةً من الثورات التي شهدت الإطاحة بالملك الفاسد لويس فيليب  الذي صعد إلى السلطة كنتيجة مباشرة لثورة تموز (1).

يوثق أونوريه دومييه -وهو فنان فرنسي معروف برسومه الكاريكاتيرية- ثورة عام 1848 في الانتفاضة، وهي لوحة زيتية سلطوية (1).

وقد وصفها (دنكان فيليبس - Duncan Phillips) على أنها "رمز لكل السخط البشري المكبوت"، وقال عنها أيضًا مؤرخ الفن الفرنسي (هنري فوسيلون - Henri Focillon): "مثير الشغب ممسوس بحلم يجمع فيه الحشد" (1).

The Death of Marat by Jacques Louis David (موت مارت - جاك لوي ديفيد)

أُنهي رسم اللوحة في عام 1793، أي بعد أربع سنوات من بداية الثورة الفرنسية، وإن "موت مارت" هي قطعة مشحونة سياسيًّا تتعامل مع حدث كبير في ذلك الوقت، وهي جريمة قتل جان بول مارات (3)، إذ كان مارات منظّرًا سياسيًّا وطبيبًا وعالمًا، وشخصية رئيسة في الثورة الفرنسية (2,3)، وقُتل على يد أحد الجيرونديين المتعاطفين من العائلة الملكية، وكُلّف ديفيد من قبل البرلمان الجمهوري بتصوير مارات على أنه شهيد للقضية الجمهورية، وللمساعدة على جمع الدعم المستمر من المواطنين الفرنسيين (2).

.Marie-Antoinette de Lorraine-Habsbourg, queen of France, and her children by Elisabeth Louise Vigée-Lebrun ( ماري أنطوانيت - ملكة فرنسا مع أولادها - اليزابيث لويس فيجي ليبرون)

هذه اللوحة للملكة الفرنسية وأطفالها، وهي مثال على الكيفية التي قد تعانيها الفنانة نتيجة علاقتها الوثيقة بالعائلة المالكة عندما تأتي الثورة. استفادت فيجي ليبرون كثيراً من رعاية أفراد العائلات النبيلة طوال حياتها المهنية، وكان يُنظر إليها عمومًا على أنها رسامة ماري أنطوانيت الرسمية بعد أن منحتها الملكة رعايتها، لكن عندما بدأت الثورة الفرنسية وألقي القبض على العائلة المالكة، اضطرت فيجي ليبرون إلى الفرار، لأنها كانت مناصرة للملكية ورسامة البلاط الرسمية، وأدرج اسمها على قائمة المهاجرين المعادين للثورة، ولم يُسمح لها بالعودة إلى فرنسا إلا في عهد نابليون الأول، لكن علاقتها بحكام الأمة لم تتعافى أبدًا (2).

Washington Crossing the Delaware by Emanuel Leutze (واشنطن يعبر ديلاور - أيمانويل لويتز)

قبل أن تُشعل ثورة عام 1789 سلسلة من الاضطرابات في فرنسا، تشكّل تمرد كبير آخر في بقعة مختلفة من العالم بين عامي 1775 و1783، إذ قاتلت المستعمرات الأصلية الثلاثة عشر للولايات المتحدة من أجل الاستقلال عن الحكم البريطاني في الثورة الأمريكية، وهو حدث سجله إيمانويل لويتز في هذه اللوحة (1).

اكتملت هذه اللوحة الكبرى في عام 1851، التي تصور لحظة محورية في التاريخ الأمريكي: الهجوم المفاجئ الناجح لجورج واشنطن على (الهسن - Hessians)، والقوات الألمانية التي تقاتل من أجل البريطانيين، في ترينتون في نيو جيرسي في 25 كانون الأول 1776. في لوحة لويتز، يظهر واشنطن بطريقة بطولية يقود فيها جيشًا مكونًا من 2400 رجل عبر النهر الجليدي، مما يصور الدراما المتزايدة لهذه اللحظة التاريخية (1). 

George Washington (Lansdowne Portrait) by Gilbert Stuart (جورج واشنطن _ غيلبيلت ستيوارت)

تُظهر لوحة ستيوارت الشهيرة لجورج واشنطن كيف يمكن تصوير المثل العليا للثورات في اللوحات التي رُسمت حتى بعد انتهاء الثورة، إذ أن الصورة مشبعة بالرمزية، كواشنطن وهو يحمل سيفًا احتفاليًّا يمثّل الحكومة الديمقراطية بدلًا من الملكية، وفي السماء في الخلفية، هناك سحب عاصفة على اليسار، وقوس قزح على اليمين، الذي يرمز إلى الحرب الثورية الأمريكية التي تفسح المجال لسلام الولايات المتحدة الجديدة (2).

.The British surrendering their Arms to Gen: Washington after their defeat at York Town in Virginia October 1781 

يعد هذا التصوير لاستسلام الجيش البريطاني لواشنطن مثالًا مهمًّا لكيفية تمثيل انتصارات المعارك في الفن، للمساعدة على رفع الروح المعنوية والمشاعر القومية، وتُظهر المطبوعة استسلام البريطانيين، الأمر الذي أدى إلى استقالة رئيس الوزراء البريطاني الذي حل محله فيتزموريس،  وبدأ عملية السلام التي أسفرت عن معاهدة باريس، والسلام مع المستعمرات الأمريكية، واستخدمت مثل هذه المطبوعات لإظهار القوة والنجاح الأمريكي (2).

The Third of May 1808 (Execution of the Defenders of Madrid) by Francisco Goya

على عكس ديلاكوي ودومييه ولويتز، لم يمجد الفنان الإسباني فرانسيسكو غويا الثورة. في الواقع، يكشف الثالث من أيار عام 1808 إعدام المدافعين عن مدريد، وهي واحدة من أكثر لوحات غويا راديكالية عن الواقع المظلم للمقاومة، ويشيد الثالث من أيار عام 1808 بالمدنيين الإسبان الذين فقدوا حياتهم في أثناء القتال لتحرير قادتهم وبلادهم في حرب شبه الجزيرة بتكليف من الحكومة الإسبانية، واكتملت في العام 1808، وهو العام نفسه الذي حدثت فيه الانتفاضة، إذ تلتقط هذه اللوحة الرسومية اللحظة التي فتح فيها الجنود الفرنسيون النار على الأسرى العزّل (1).

هذا الملصق تم إنتاجه بعد مدة طويلة من الثورة الروسية، إلا أنه يُعدّ مثالًا جيدًا لنوع الدعاية التي أُطلقت لإقناع الناس بالانضمام إلى القضية البلشفية والقضية السوفيتية اللاحقة، وتسهم صورة لينين المتراكبة على وجه ستالين في ربط الزعيمين السوفييتيين بقدرتهما على الحكم وبث الولاء بين الشعب (2).

يُظهر هذا الملصق أعضاء الحرس الأحمر، الذي كان عبارةً عن مجموعة طلابية في الثورة الثقافية في الصين، الذين تلاعب بهم (ماو تسي تونغ - Mao Zedong) لمساعدته على استعادة السيطرة على البلاد، واستخدم الحرس الأحمر شعار "التمرد مبرر"، وأرهب الناس والمؤسسات. في النهاية، وتحت خطر الحرب الأهلية، اضطر ماو إلى استدعاء الجيش للمساعدة على استعادة السلام، مما جعل بعض الحرس الأحمر يشعرون بالخيانة ويحاولون التمرد، وسرعان ما سحق الجيش هذا التمرد، ويعد الملصق مثالًا على الدعاية المستخدمة للترويج لدور الحرس الأحمر في الثورة الثقافية (2).

هنا

وسيبقى الفن رفيق الثورة وشاهدًا عليها.

المصادر:

1. Richman-Abdou K. 7 Spirited Works of Art Sparked by Revolution [Internet]. My Modern Met. 2020 [cited 2024 Dec 17]. Available from: هنا

2. Art in service of Revolution - Google Arts & Culture [Internet]. Google Arts & Culture. Google Arts & Culture; 2024 [cited 2024 Dec 17]. Available from: هنا

3. Richman-Abdou K. “The Death of Marat”: A Powerful Painting of One of the French Revolution’s Most Famous Murders [Internet]. My Modern Met. 2019. Available from: هنا