الفنون البصرية > فلسفة الفن

كيف نرسم ملامح جديدة للهوية الوطنية؟

عند حدوث تغيير سياسي كبير، وتحول جذري في مجتمع ما، غالباً ما ينعكس هذا التغيير على هوية هذا البلد، وفي القرن الواحد والعشرين، يترجم هذا التحول بتغير "العلامة الوطنية" والهوية البصرية المرتبطة به، من رموز وشعارات وألوان، وقد يرى بعض الناس أن هذا التغير بسيط وهامشي، لكن دراسات عديدة أثبتت أن أثره لا ينحصر فقط في الصورة العالمية التي يصدرها، بل يتمدد ليؤثر في المواطنين والأفراد أنفسهم، وإحساسهم تجاه بلدهم وذاتهم.

ظهر مصطلح "العلامة الوطنية" أول مرة في التسعينيات، على يد سايمون أنهولت، وصاغه للدلالة على أن صورة البلد وهويته تنشأ وتتطور بطريقة مشابهة لصورة علامة تجارية لشركة أو منتج ما، وأن لها تأثيراً كبيراً في ازدهار هذا البلد وسلامته وفعالية إدارته (1).

ويرى أنهولت أيضاً أن هنالك ستة عوامل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وتتضمن: كيف تفهم الأمة نفسها؟، وكيف تفهم هذه الأمة العالم حولها؟، وكيف تظن أن العالم يراها؟، وكيف يراها العالم فعلياً؟، وكيف سوقت لنفسها سابقاً؟، وأخيراً، كيف تتمنى أن يراها العالم؟.

وأضيف لاحقاً بند سابع من قبل أبحاث أخرى، وهو لماذا تهتم هذه الأمة بكيفية رؤيتها من قبل الآخرين؟ (2).

إن الإجابة على السؤال الأخير تبدأ من حقيقة أن الأمن الوجودي والأنطولوجي هو عامل مهم للأمم جميعها بمختلف أشكالها، ومن الأساسي وجود سردية ذاتية مستمرة تحافظ عن طريقها على التقدير الذاتي الجماعي والفردي للشعب، وتنقل صورة ملائمة للشركاء والجمهور الأجنبيين.

ورغم التأكيد على أهمية أن يوافق الشعب ويقبل بالصورة التي تمثل هويته، إلا أنه من الضروري أن يتحقق التصديق على هذه الصورة والاعتراف بها من قبل العالم الخارجي أيضاً، فهذا يضمن الاعتراف والشرعية الدولية.

وإن غياب هذا الدعم قد يؤدي إلى نتائج وخيمة وتهديد حقيقي لوجود الأمة الرمزي وثقتها بنفسها والخوض في أزمة هوية عامة، هذا الأمر لا يقف عند المستوى الجمعي فقط، بل يمس الأفراد، وإحساسهم بالانتماء وتقدير الذات والكرامة الإنسانية (2).

وإن هذا المفهوم المعقد والواسع يذهب أبعد من الإستراتيجيات التسويقية والعناصر الغرافيكية التي تمثل بلداً ما، إلا أن التمثيل الغرافيكي للعلامة الوطنية ذو قيمة وأهمية حقيقية، فهذا الرمز يمثل الأداة الأساسية التي يستطيع البلد أن يعبر عن طريقها عن مجمل هويته ويعرف عن خصائصه وصفاته، فمن الممكن أن تسهم على نحو إيجابي في تحسين السياحة والصادرات والاستثمار وتجذب العمالة الماهرة (1). 

فيجب أن يحرص المسؤولون عن إستراتيجية خلق هذه العلامة الوطنية وتكوينها على أن تكون أقرب ما يكون إلى جوهر الأمة، وأن تعبر عن  هوية الشعب الحقيقية.

هذا الأمر بدوره يخلق إشكالية كبيرة، إذ إن هنالك صعوبة هائلة في تحديد الحقيقة النهائية والثابتة لهوية شعب ما، وإن العوامل التي تحدد ملامحها مختلفة ويدور بخصوصها جدل مستمر، لكن من المتفق عليه أن وجود هوية وطنية بوصفها منتجاً نهائيّاً لما يعتقد الشعب أنه حقيقتهم هو أساسي وحيوي للمجتمع ولأي نظام سياسي يحكمه (2).

ولذلك فإن أية محاولة تهدف إلى تعديلها وتحسينها وتسعى إلى حصد النتائج المرغوبة يجب أن تكون منسقة ومنفذة على نحو محكم (1).

فإن دور العلامة وتأثيرها لا ينحصر فقط على المستوى السياسي والاقتصادي والعالمي، إذ كشفت إحدى الدراسات أنه من الممكن أن تسهم العلامة الوطنية ضمن سياق حملة موجهة إلى الحد من الاستقطاب السياسي في المجتمع وتنمية الهوية الثقافية، لكن لتحقيق هذا والوصول إلى النتائج المرغوبة، من الضروري الاعتماد على بحث معمق في أبعاد هذه العلامة (3).

المصادر:

1.Murphy P. Article-Display [Internet]. wipo-magazine. 2022 [cited 2024 Dec 31]. Available from: هنا

2- di E. “Living the Brand”: Nation branding influences on national collective self-esteem and state power. [Internet]. International Association for Political Science Students. 2023. Available from: هنا

3.Vecchi A, Silva ES, Jimenez Angel LM. Nation branding, cultural identity and political polarization – an exploratory framework. International Marketing Review. 2020 May 26;ahead-of-print(ahead-of-print).