الفنون البصرية > فن المسرح

المقاومة من على خشبة المسرح

"كل الفنون هي بروباغندا، الفرق الوحيد يكمن في نوع البروباغاندا التي تروج لها"

-دييغو ريفيرا 

عندما نتكلم عن الناشطين السياسيين والاجتماعيين، يخيّل لمعظم الأشخاص أننا نعني أولئك الذين يتجمعون ويهتفون في المظاهرات والاحتجاجات حصراً.

لكنّ هذا الربط الخاطئ بين الفكرتين يؤدي إلى الاعتقاد أن الذين لا يشاركون في المظاهرات والاحتجاج غير ناشطين ولا يدعمون القضية، لكن الحقيقة هي أننا جميعنا نشطون بشكل أو بآخر، عن طريق قبولنا للواقع أو رفضنا له بأفعالنا وأقوالنا أو حتى أفكارنا، فنحن إما أننا نساعد مؤسسة ما على الاستمرار، أو نقف في طريق ذلك (1).

ويشكل الفن، والمسرح على وجه الخصوص، أداة ثمينة للنشاط الفكري لأجل القضية التي نؤمن بها. ولطالما كانت الفنون، عبر التاريخ، مساحةً غنية بالفضول والاستكشاف والتأمل والعمل الجماعي، تتيح لنا أن نستكشف أنفسنا بعمق أكثر ونتمكن من التواصل مع الآخرين والعالم من حولنا بطريقة فعّالة وصادقة (2)، لكن دور المسرح لا يقف عند هذا الحد فقط، فالفنون بمجملها، تقدم بديلاً عن العنف وفرصة لمنح المستضعفين صوتاً، وتحويل المسرح والموسيقى والفنون الأدائية إلى أداة للمقاومة أو جسر نحو السلام والتصالح، فالطاقة الإبداعية في الفنون تمنح المجتمع إمكانية تجاوز محدودية الواقع ورؤية إمكانيات جديدة في نفسه وفي العالم حوله (1). 

والمسرح تحديداً -كونه فناً جامعاً لعدة فنون- هو أداة سريعة التأقلم، فيستطيع أن يتغير ويتحول ليستجيب إلى احتياجات المجتمع الذي ينتمي إليه وأفكاره، إذ يمكن أن يطرح مشكلات وقضايا مختلفة، ولا يكتفي بالتثقيف فقط، بل يتحدى وعي الجموع، ويحرض عاطفتهم ويخلق روابط شخصية بينهم وبين القضايا التي يعالجها (1). 

ويمكن للمسرح أيضاً أن يغير المجتمع باستخدام المخيلة، فلطالما كان للممثلين القدرة على تشكيل الآراء وتحويلها، ويعد "مسرح المقاومة" أحد أبرز المقاربات والتجارب الفنيّة في هذا المجال، إذ سعى عن طريقه أوغوستو بور إلى تحويل المشاهد إلى ممثل، مؤمناً أنه عندما يصبح "المشاهد" ممثلاً فعالاً في الوسط الدرامي، يمكنه أن يصبح فعالاً أيضاً في المحيط السياسي والاجتماعي (1).

وينبع ذلك من اعتقاده بأننا عندما نكون مشاهدين سلبيين وغير فاعلين، تكون التجربة مشابهة لمفهوم أرسطو في "تطهير العواطف"، فبدلاً من أن ننشط أو نبادر، نشعر بالرضى بمجرد مشاهدتنا ممثلاً يؤدي المبادرة التي نريدها، فيصبح هذا التطهير بنظر بور بديلاً للفعل (1).

وهذا لا يلغي أن المسرح بصيغته المعتادة يتيح التغير المتدرج والبطيء، عبر خليط المشاعر والانفعالات التي يحملها المشاهد معه من خشبة المسرح إلى العالم الحقيقي (1).

لكن عمق تأثير المسرح هو سيف ذو حدين، فعندما تحكم سلطة مركزية ما سيطرتها على مختلف المنتجات الثقافية، فهي غالباً ما تتمكن من التلاعب بها بما يتناسب مع أهداف السلطة وأيدولوجيتها، كما حدث في ألمانيا النازية، حيث استطاع الدكتور بول جوزيف غوبلز عن طريق منصب وزير التنوير والبروباغاندا، استغلال المذياع والمسرح والسينما والفنون المختلفة لتحقيق أهداف هتلر السياسية والعرقية والتوسعية (3).

ففي خضم الحرب العالمية الثانية، بنَوا كثيراً من المسارح في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وكان يمنع إغلاقها حتى عند اشتداد المعارك والاعتداءات، وصُرفت أموال هائلة وغير مسبوقة في هذا المشروع، بهدف نشر اللغة والثقافة الألمانية والسردية النازية.

ورغم ذلك، أثبتت دراسات عدة أن معظم هذه الجهود فشلت فشلاً ذريعاً، ولم تترك أي أثر يذكر، ويعود ذلك إلى أن معظم المسارح وجدت طرقاً للالتفاف حول تعليمات القيادة وتفادي نشر البروباغاندا النازية، وإن هذه الأفعال والمحاولات، رغم بساطتها، كانت نوعاً من أنواع المقاومة، وحققت انتصاراً على المدى البعيد، إذ أثمرت عن فشل سياسات النظام البائد، وتلاشي أيدولوجيته (3).

المصادر:

1. Hăisan C. Theatre As A Form Of Activism. Theatrical Colloquia. 2020 Dec 1;10(2):178–87.

2. Simpson S. Developing Self-Awareness and Social Awareness Skills through Musical Theater [Internet]. The Kennedy Center. [cited 2024 Dec 30]. Available from: هنا

3. Heinrich A. Theatre as Weapon of War: German Language Theatres Across Occupied Europe During WWII [Internet]. Critical Stages/Scènes critiques. 2023 [cited 2024 Dec 30]. Available from: هنا