الفنون البصرية > معلومة فنية

لوحة فسيفساء مريمين

تعدّ الفسيفساء من أشدّ الأعمال الفنية التي بقيت من العصر الروماني جاذبية، وتتمتع بقيمة كبيرة سواء من الناحية الفنية، أو بصفتها وثائق اجتماعية وأحيانًا أخرى اقتصادية. إذ كانت ثروة المواطن الروماني تُقاس عادةً بجودة أرضيات الفسيفساء في منزله وعددها(1).

وعام 1960م عثر أحد المزارعين مصادفةً في أثناء حفر أرضه في قرية مريمين التي تبعد 50كم جنوبًا عن مدينة حماه في سوريا على لوحة فسيفساء أرضية مذهلة، تظهر فيها ست عازفات وصبيّان يقفون على مسرح، كانت هذه اللوحة الرائعة تغطي عرض أرضية الغرفة على نحو كامل بقياسات 5.7م * 4.2م، إذ وُضعَت أسفل الحنية بقليل(2).

وفي عام 1967م رُمِّمَت لوحة الفسيفساء في دمشق ثم أُعيدت لتُعرَض في متحف حماة، ولحسن الحظ؛ نجت من القصف العنيف الذي تعرضت له مدينة حماة في عام 1982م على الرغم من تعرض المنطقة المحيطة بالمتحف لدمار هائل(2).

وحتى مع وجود صور أخرى لموسيقيّين من العصور القديمة، فإن هذه اللوحة تتميز عنها بجودتها العالية ودقة ما تقدمه من آلات موسيقية، ويُقال إن النساء اللواتي يظهرن فيها لا بد من أن يكن عازفات متجوّلات محترفات ضمن فرقة موسيقية شعبية مكوّنة من فتيات فقط، وتمثل الفسيفساء حفلًا موسيقيًّا مُقامًا على منصة معروضة بتفاصيلها(3). ومما يؤكد الجانب المسرحي للصورة وقوف صبيَّين صغيرين إلى جانب العازفات يرتديان زي كيوبيد بأجنحة مثبتة على أكتافهما ومربوطة حول الخصر(2,3).

تظهر في اللوحة أيضًا مجموعة كبيرة متنوعة من الآلات الموسيقيّة، منها: الأرغن، والفلوت المزدوج، والقيثارة، إضافةً إلى الآلات الإيقاعيّة الأخرى، إلا أن أكثر هذه الآلات وضوحًا في فسيفساء المريمين هي الطاسات الذهبية الثمانية أو كما تُسمى الأوكسيبافون (Oxybaphon)(2).

تُعد هذه الفسيفساء عملًا فنيًّا من الطراز الرفيع، إذ صُمِّمَت من قبل مختصّين ونُفِّذت بعناية فائقة جدًا بأيدٍ ماهرة، وذلك تحت رعاية جهة ثريّة خاصة أو ربما عامة. ويُلاحَظ ذلك من خلال جودة المواد الأساسية المستخدمة فيها كالحجر والرخام إضافةً إلى الزجاج والفضة. ومن اللافت فيها أيضًا وضوح ملامح وجوه العازفات التي توحي لنا بأنها مأخوذة من نماذج حيّة(2).

وعلى الرغم من أن هذه الفسيفساء كحال غالبية اللوحات الأرضية لا تحوي نقوشًا أو توقيعات تشير إلى زمنها أو إلى هوية الفنان، فإن تحديد تاريخها الزمني يعتمد على التخمين بناءً على تسريحات الشعر وملابس الشخصيات، إضافةً إلى أسلوب فسيفساء المريمين الراقي الذي نستطيع ربطه بكلاسيكية أواخر القرن الرابع الميلادي(2).

ولا بد من القول إن فسيفساء مريمين لا تثير الاهتمام فقط بسبب جودتها العالية وإنما لكونها تتناول موضوعًا غير معتاد. فهي وثيقة مهمة للموسيقيات المحترفات في أواخر العصور القديمة ويتعين علينا التعامل معها بجدية بوصفها دليلًا مرئيًّا على المكانة التي كانت ممنوحة للموسيقيات خلافًا للصورة التقليدية للفنانة على أنها فتاة راقصة تعرض كاحليها من ذوي المكانة الاجتماعية المتدنية.

أضف إلى كل ما تقدم أن هذه الفسيفساء تحتوي على معان أخرى متعددة، لم تُكتشف بعد وما تزال دلالاتها الكاملة بعيدة المنال(2).

المصادر:

1. Roman Mosaics - Corinium Museum [Internet]. Corinium Museum. 2018 [cited 2025 Jan 4]. Available from: هنا

‌ 2. Kilierich B. The Mosaic of the Female Musicians from Mariamin, Syria. Acta ad archaeologiam et artium historiam pertinentia. 2017 Dec 4;22(0):87. Available from: هنا

‌ 3. Acta ad archaeologiam et artium historiam pertinentia [Internet]. journals.uio.no. 2009 [cited 2025 Jan 4]. Available from: هنا