الفنون البصرية > فنانون عالميّون

هل تسببت أعمال هانز بيلمر الفنيّة باتهامه بالبيدوفيلية؟

تعبيرًا عن رغباته الجنسيّة المضطربة والّتي وُصفت أحيانًا بالبيدوفيليّة (1)، خلق هانز بيلمر Hans) (Bellmer عالمه الفنّي الخاص من هوسه بتصنيع الدّمى تصنيعًا جنسيًّا (2)، ما أثار تساؤلاتٍ عميقة عن أحقيّة الفن في تبرير الإساءة انطلاقًا من حرية الفنان في تضمين دوافعه وغرائزه ومخاوفه لتكون محاور أعماله.

فمن هو هانز بيلمر، ولماذا حوّلته دُماه لواحدٍ من أكثر فنانيّ القرن العشرين تأثيرًا وإثارةً للجدل وسوء السمعة (1)؟

ولد هانز بيلمر عام 1902 (3)، عمل بداية حياته في مناجم الفحم، ثمّ التحقَ بالمدرسة التقنيّة العليا في برلين لدراسة الهندسة عام 1923، تلبيةً لرغبة والده الّذي كان صارمًا وقاسيًا ولم يمنحه في طفولته إلّا قليلًا من الودّ، لكنّه في أثناء تواجده هناك تواصلَ مع عددٍ من فنّاني "الدادا"، ثمّ مع روّاد السرياليّة عام 1924، لتتّخذ حياته شكلًا مُختلفًا بوصفهِ رسّامًا ومصوّرًا بطابعٍ خاص حتّى 1936 (1).

اتّسمت أعمال بيلمر بالغموض والغرابة، فقد تطلّب فهمُ معانيها غوصًا عميقًا في أبعادها، ما أعطاها شعبيّةً واسعةً بين السرياليّين (1)، إذ تُخاطب هذه الأعمال الرّغبة الجنسيّة للمشاهد، وتُظهِر عبرَ نظرةٍ عميقةٍ ممزوجةٍ باضطرابات نفسية المخاوفَ والرغبات اللاواعية للأفراد، ما جعلها موقفًا يحتاج تحليلًا دقيقًا عن دور الصّدمة والرّغبة والهوس في إنتاجها (1).

ألهمت أعمالٌ عدّة بيلمر في اعتماده الدّمى عنصرًا أساسيًّا، مثل: دُمى لوتّي بريتزل ( Lotte pritzel )و هانا هوخ (Hannah Höch) الدّادائيّة، ودمية أوسكار كوكوشكا ( Oskar Kokoschka ) سيّئة السّمعة (1)، وأوبرا حكايات هوفمان ( The tales of Hoffman) الّتي تناولت قصّة مخلوقاتٍ أنثوية آليّة (3)، فاتّجه لتصنيع دُماه الخاصّة، ومن أشهر أعمالهِ سلسلةُ الدّمية (Die puppe) التي ظهرت للمرّة الأولى في المجلّة السرياليّة (Le Minotaure) عام 1934، والّتي بناها في الاستديو الخاص به باستخدام هيكل من الخشب والمعدن، مغطّى بمجسّم من الجصّ والورق والمعجون، واعتمد في تشكيلها على نظام المفاصل الكرويّة ليظهرها على نحوٍ ممزّق ووحشيّ (3)، ثمَّ التقط لها صورًا فوتوغرافيّة أبرزَ فيها الثدي وجزء من المعدة والأرداف، وصمّم الرأس ليبدو للمشاهد وجهًا حقيقيًّا (1)، ولم يكن بيلمر يصمم الوجوه بهذه الطريقة دومًا فقد كان الوجه أحيانًا قناعًا فارغًا يعطي المشاهد حريةَ تخيُّلِ من يشاء (1).

بعد نجاحها، أنتج سلسلةً من الصور الفوتوغرافيّة لتوظيف دُماهُ ضمن مئات السيناريوهات المتخيّلة، تحت عنوان ألعاب الدُّمية Jeux de la) (poupée عام 1935، على شكل كتابٍ مطبوع، تناول الجانب العنيف والمؤذي من اللّعب بالدّمية، وعرضها شريكًا جنسيًّا خاضعًا لسيطرة ساديّة مصورًا إيّاها على هيئة جذعين مقطوعين ملتصقين ببعضهما، وعرض سيّد الدّمى المُسيطر والمُستمتع باللعب متلصّصًا وغامضًا يلبسُ معطفًا داكنًا وحذاءً ويختبئ خلف الشجرة (1).

وقد لوّن بيلمر هذا الكتاب بنفسه يدويًّا، فاستخدم الصباغ الوردي والأصفر إشارةً للبطاقات البريديةّ الجنسيّة، وقد اختار الأحمر للجسد ليوحي بالانتهاك، والأصفر للغابة لتحريض الشعور بالمرض. في النهاية أفضت هذه العناصر جميعها لتعزيز مناخ المراقبة والانتهاك والسيطرة (1).

رغم التّأثير الكبير الّذي أحدثته أعمال بيلمر غيرَ أنّها أثارت ضدّه اتهاماتٍ بالانحراف والولع الجنسي بالأطفال، إذ يُزعَم أنّ مصدر إلهامه في عمله الدّمية كان رغبته الجنسيّة غير المحققة بابنة عمّه القاصر أورسولا ناجاشوفسكي (Ursula Nagaschewski)، كذلك اختياره للإكسسوارات المُضافة للدمى من جوارب وأحذية بيضاء للأطفال، وتصوّيره الجسد المصمم ليبدو دومًا مثلَ امرأة أو طفلة قد عزّز هذا الاتّهام.

واجهت أعماله وجهات نظر قاتمة من الحركات النسويّة عن طريقة تصوير الأجساد الأنثوية، وفي ذلك قالت النّحاتة السرياليّة ميريت أوبنهايم (Meret Oppenheim) أنّها شعرت بأنّ بيلمر يعامل النّساء دون احترام (1).

وكتب رودولف أونزلي (Rudolf Uenzli) في كتابه "السرياليّة وكراهية النساء": "هذه ليست مجرّد أجساد بل هي دائمًا شخصيّاتٍ نسائية".

ورغم هذا ظلّت دُمى بيلمر عنصرًا أساسيًّا في المعارض السّرياليّة، إذ اعتبرها أندريه بريتون (André priton) الجسم السرياليّ الأصليّ الوحيد الّذي يتمتّع بقوّة استفزاز عالميّة (1).

وأنتم ماذا تعتقدون؟

المصادر:

1. Hans Bellmer Photographs, Bio, Ideas [Internet]. The Art Story. [cited 2024 Apr 28]. Available from: هنا;
2. Metmuseum.org. 2022. Available from: هنا;
3. Hans Bellmer [Internet]. International Center of Photography. 2016. Available from: هنا;