التعليم واللغات > التربية والتعليم
حول التعليم والسياسة؛ أيهما يخدمُ الآخر؟
تبقى المجتمعات ما بعد الصراع عرضةً للهشاشة رغم الجهود المبذولة لإعادة الإعمار؛ ما يؤكد الحاجة إلى تعليم الموَاطنة لمعالجة قضايا مثل الهوية الوطنية والعنف والعدالة (1).
ويشير مصطلح "ما بعد الصراع" إلى المجتمعات التي تتعافى من صراعات عنيفة كانت قد تركت أثرًا كبيرًا في الحياة اليومية.
ورغم أنه يُعبر عن تحولٍ نحو إعادة الإعمار، فإن هذه المجتمعات تظل -إلى حدٍّ ما- عرضةً لاضطرابات مستقبلية (1).
كذلك، يُثير وجود الصراعات -حتمًا- تساؤلاتٍ عن وجهات نظر الحكومات والجماعات المُسلحة غير الحكومية بشأن هدف التعليم ومدى استخدامه أداةً لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية.
وقد تكشف ممارساتٌ -مثل الانخراط في الأمور التنفيذية، وتعيينات موظفي السلك التعليمي، وتوزيع المعلمين، وتحديد المناهج الدراسية وغيرها- عن مدى توظيف التعليم لأغراض سياسية بحتة؛ إذ كثيرًا ما تميل النخب السياسية إلى استخدام التعليم لصالح أنصارها وتعزيز قواعد قوتها (2).
ولا يُعدُّ خفيًّا على أحد أنَّ الأنظمة الديكتاتورية تُشكل نقطة انكسار في النسيج الاجتماعي؛ لذلك عندما يعُيد المؤلفون صياغة هذه الأحداث المؤلمة الماضية في الكتب المدرسية الخاصة بمادة التاريخ، لا تكون هذه التفسيرات للماضي الديكتاتوري مجردَ خطابات أكاديمية فقط، بل هي أيضًا أدوات ثقافية مهمة تُستخدم لشرعنة السرديات المتعلقة بماضٍ يُعدُّ محلَّ خلاف بين أبناء المجتمع نفسه (3).
وعلى الرغم من التوافق المتزايد فيما يخصُّ أهمية تعليم الانتهاكات التي حدثت في ظل الأنظمة الديكتاتورية، فإنه في كثيرٍ من الدول التي مرت بصراعات وسلطات ديكتاتورية، غالبًا ما تُقدِّم كتب التاريخ المدرسية عمليةَ القمع التي مارستها الدولة مع إغفالٍ واضح للمسؤولية البشرية. فعادةً ما تُصوَّر الأجهزة السرية للدولة على أنها الجهة المسؤولة عن القمع العنيف، وفي بعض الأحيان، تُلقى المسؤولية أيضًا على جماعات المعارضة من الأحزاب اليسارية أو اليسار المتطرف.
ومع ذلك، نادرًا ما يُسلَّط الضوء بوضوح على مسؤولية الشخصيات الرئيسة التي قادت تلك الأنظمة (3).
وهنا يتضح أنَّ التعليم جزء لا يتجزأ من الحياة السياسيةذ، ومن ثمَّ لا نستطيع إغفال الدور الأساسي الذي اضطلع به التعليم في إنشاء مفهوم المواطنة في الدولة القومية الحديثة؛ إذ يُعدُّ وسيلةً لترسيخ شرعية حكم الدولة القومية وتشكيل المواطنين داخل مجتمع مُتخيل لهذه الدولة.
وعلى الرغم من أنَّه قد يكون وسيلةً لبناء الأمة، فإنه يُنظر للتعليم كذلك بوصفه آليةً تستخدمها الحكومات لحماية النظام الاجتماعي والسياسي من التعرض لأي نقد ولتقويض الخطابات المنافسة أو التوجهات المُناهضة للنظام المُهيمن (4).
ويختلف تعليم الموَاطنة من بلد إلى آخر؛ فيُدرَّس أحيانًا بوصفه موادَّ مستقلةً أو يُدمج ضمن موادَّ أخرى، لكن الهدف المشترك عالميًّا هو تزويد الأجيال الأصغر سنًّا بالمعرفة والمهارات والمواقف التي تؤهلهم للمشاركة في المجتمع؛ مع الأخذ بالحسبان التاريخ المحلي والتحديات التي تواجهها هذه المجتمعات (1).
ويكون الأمر جوهريًّا في ظل وجود الصراعات بحيث تبرز الحاجة المُلحَّة إلى أنظمةٍ وهياكلَ تحمي قطاع التعليم من التحيز السياسي والفساد المحتمل والتدخل في القرارات التنفيذية (2).
المصادر:
2. Smith A. Contemporary challenges for education in conflict affected countries. Journal of International and Comparative Education. 2014;3(1):113–25. doi:هنا.
3. Oteíza T, Achugar M. History textbooks and the construction of dictatorship. In: Fuchs E, Bock A-K, editors. The Palgrave Handbook of Textbook Studies. New York, NY: Palgrave Macmillan; 2018.
4. Nordensvärd J. The Politics of Education: Education from a political and citizenship discourse. Policy Futures in Education. 2014 Jan 1;12(3):340–6. doi:هنا