اللغة العربية وآدابها > ألـــبـــومات

درس مزدوج في الحرية؛ "أحاديث مع والدي أدونيس"

في عشرِ مقابلات مُفعمةٍ بالحب والشفافية، تستجوب الفنانة التشكيلية نينار إسبر والدها الشاعر السوري أدونيس في موضوعات متنوعة مثل: اللغة والشعر والإسلام والدين والأخلاق.

كتابٌ يأسِرك فتشعر وكأنك جليسٌ ثالث يتأملُ الأفكار المطروحة بجرأةٍ لم نعتدْ عليها بين أبٍ وابنته وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية، إضافةً إلى مشاعر الحب والانتماء إلى الوطن الأول، ونقدٍ للأنظمة العربية وحرية المرأة المرتبطة بالدين والمجتمع.

لنتابع معاً في هذا الألبوم بعضَ هذه الحوارات، عساها تكونُ إجابةً عن تساؤلات لم تجدْ أفقاً يحتويها من قبل… 

وتذكر عزيزي القارئ؛ من أهم صفات القراءة الإيجابية أن تقرأ بعقلٍ منفتح…

نينار: ليسِ هناك فرقٌ بين الشباب والشيخوخة؟

أدونيس: الشيخوخة تجعلنا أكثر نضجاً بنحوٍ ما…والشيخوخة في الوقت نفسه عودة إلى الطفولة، فالوِلادة تُخرج الإنسان من العدم، من الموت… فالموت وجهٌ آخر للحياة والشيخوخة شكلٌ آخر للطفولة.

نينار: اسمك علي واسمك ككاتب أدونيس، وأدونيس يحتل الفضاء كله في ما يبدو…أي مكانٍ بقي لعلي؟

أدونيس: لا أجد أي تناقض بين أدونيس وعلي… فجميع هذه الأسماء لها عين الأصل… أمي تناديني بعلي وأنا أحبُّ هذا الاسم… وأدونيس هو الاسم الذي أدخلني في فلكٍ ثقافي… لقد اخترتهُ بمحض الصدفة.

نينار: ولاؤَك المطلق، ولوعك، ((إدمانك)) ما طبيعته؟

أدونيس: إنه الكتابة. أكرر لك، إذا لم أكتب، فأنا أشعر بأنني غير موجود. بالكتابة أكتشف من أكون، أتعود اكتشاف ذاتي والإفصاح عنها… تتيح لي الكتابة أيضاً معرفة الآخر.

نينار: أنا أشتم في منطق الأم التي تقول لابنها أن يتزوج فتاة عذراء وفي كلامها رائحة العنصرية، مهما يكن من أمر فهي عدوة المرأة.

أدونيس: نعم على الأرجح كلام خاطىء

ذلك لأن المجتمعات تطابق بين العذرية والطهارة…وواقع أن الرجل الأول يُعدُّ ضمانةً لاستتباب علاقتهما بصورة حسنة وترسيخ الثقة بينهما…

نينار: ما الذي تمثلهُ القرية لديك؟

أدونيس: إنها الينبوع الذي يُغذي ذاكرتي… أعتقد أن الذاكرة جزء أساسي من الحياة، من العقل، من المشاعر… ينتابني شعور بأنني قد وُلِدت داخلَ هذه الذاكرة وأن عليَّ أن أوافي منيتي فيها، أن أموتَ هناك حيث وُلِدت.

نينار: كيف يمكنك أن تصف علاقتك باللغة العربية؟ إنها أداة عملك، وهويتك، وجسدك، وروحك.

أدونيس: لا أرى نفسي داخل أيّ لغةٍ من اللغات، فاللغة العربية تسكن أعماقي… لقد أحببتها إلى درجة أنها أحببتني وطوقتني وحالت بيني وبين أن أتعلم لغة أخرى.

نينار: هل يشكل مفهوم الثورة جزءاً من البنية العقلية أو التاريخية عندَ العرب؟ 

أدونيس: التاريخ حافل بالثورات، إنها ثورات صغيرة.

نينار: واليوم؟

أدونيس: فهي تُختصر بمطالب سياسية في مواجهة السلطة القائمة، أو في مواجهة هيمنة خارجية… لهذا فهي ليست ثورات.

نينار: لماذا لا نشهد ثورات بالمعنى الحقيقي للكلمة؟

أدونيس: ولكن هناك دوماً تيارات تُطالب بالعلمانية وتسعى إلى التقدم والرقي.

نينار: في أي فترة من التاريخ.

أدونيس: لقد طالبت جميع الأحزاب… المثقفين… في سائر البلدان ومُنيوا بالإخفاق، لأن النسيجَ الاجتماعي العام نبذَ هذه الأفكار… كان التأثير الديني هو الأقوى.

أدونيس: هل ينبغي أن نغلب القواعد الأخلاقية على القواعد الجمالية؟

نينار: المعضلة هي أن الجَمالي شيء نسبي كليَّاً، و يمكنه أن يؤدي إلى انحرافات مروعة… فكرة النقاء العرقي… أباد النازيون ملايين الأشخاص.

أدونيس: باسم الجمال أم باسم الإيديولوجيات بالأحرى؟

نينار: باسم الإيديولوجيات بالطبع، فالجَمالية يمكنها أن تكون خطرة.

أدونيس: يمكن ارتكاب فظاعات باسم الأخلاق من الممكن أن تكون الأخلاق شيئاً مُغرقاً في الرجعية… تُصادر حرية الفرد… تفرض قواعد مستحيلة لا إنسانية… فباسم أخلاقية معينة يمكن تدمير مجتمع بأسره، وتدمير الإنسان، وتدمر الثقافة بِأسرها أو حضارة بِأسرها.

نينار: مثلما حدث في العصور الوسطى، وفي عصور محاكم التفتيش في أوروبا، وفي أميركا الجنوبية.

عنوان الكتاب: أحاديث مع والدي أدونيس

اسم الكاتب: نينار إسبر

عدد الصفحات: 240

دار النشر: دار الساقي، بيروت، لندن ،2010