الطب > معلومة سريعة
نقل الدم؛ رحلة سريعة عبر الزمن
لتبرع بالدم هو عملية نقل الدم من جهاز الدوران لشخص إلى آخر لأغراض علاجية. لم يُعد نقل الدم إجراءً روتينيًّا إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك نتيجة للتطورات الطبية والبحثية، غير أن فكرة نقل الدم تعود إلى تاريخ أقدم بكثير، إذ تطرقت الحضارة اليونانية إلى هذه المفاهيم، وورد في كتاب "التحول" لأوفيد، الذي تناول تجارب تهدف إلى استعادة الشباب عن طريق استبدال الدم بالإكسير. أما الرومان، فقد تحدثوا عن أهمية الدم واعتقدوا أن شرب دماء المحاربين ينقل القوة والشجاعة، واعتمدوا على نظرية الأخلاط الأربعة التي اقترحها أبقراط، التي أثرت في الطب الغربي لأكثر من ألف عام. وعلى الرغم من أنه آمنت حضارات أخرى كالمصرية والنرويجية بفوائد الدم، إلا أن تاريخ أول عملية نقل دم حقيقية يظل غامضًا، لأن معظم المراجع القديمة تشير إلى شرب الدم بدلًا من نقله (1).
بدأت تجارب نقل الدم بخطوات تدريجية، إذ بدأت بالنقل بين الحيوانات، ثم تطورت لتشمل النقل من الحيوانات إلى البشر (2). شهد القرن السابع عشر انتشارًا كبيرًا لهذه الممارسة، لكنها لم تكن تهدف إلى تعويض الدم النازف، بل استندت في الغالب إلى اعتقادات شائعة آنذاك، فكان يُعتقد أن هذه العمليات تنقل إلى متلقي الدم بعض سمات الشخصية أو القوة أو الشباب المرتبطة بالحيوان المتبرع، ولم يُعترف بفائدة نقل الدم في الحالات الإسعافية لتعويض خسارة الدم إلا بحلول القرن الثامن عشر (1).
شهدت بدايات القرن العشرين اكتشافًا ثوريًّا على يد العالم كارل لاندشتاينر، الذي وجد أن إضافة مصل بعض الأشخاص إلى دم أشخاص آخرين يؤدي إلى تخثره، وكان هذا الاكتشاف حجر الزاوية في فهم زمر الدم، الأمر الذي أهّله إلى الحصول على جائزة نوبل في الطب عام 1930. وعلى الرغم من هذا التقدم، ظل تخثر الدم عائقًا أمام نقل كميات كبيرة منه، مما دفع الجراح الفرنسي أليكسيس كاريل إلى ابتكار تقنية جراحية رائدة، وتضمنت هذه التقنية إجراء وصل مؤقت بين أوعية المعطي والمتلقي، مما أتاح نقل كميات أكبر من الدم. حصل كاريل جائزة نوبل في الطب عام 1912 تقديرًا لهذا الإنجاز. أُحرزت لاحقًاً تقدمات مهمة في تطوير مركبات كيميائية تمكّن من إطالة مدة تخزين الدم، مما سمح بحفظه لأسابيع، ومهدت هذه التطورات الطريق لإنشاء أولى بنوك الدم في العالم، التي اُفتتحت في لندن عام 1921 (2).
شكّل اندلاع الحرب العالمية الثانية حافزًا كبيرًا لتطوير خدمات نقل الدم، ومع تزايد احتمالية وقوع الحرب، برزت الحاجة الملحة للاستعداد، مما أدى إلى إنشاء أربعة مخازن للدم في لندن على أنه إجراء استباقي، وحفزّت الحرب جهود العلماء للعمل على تجزيء الدم إلى مكوناته الأساسية، ما أتاح إمكانية نقل كل مكون على حدة لتلبية احتياجات طبية محددة. كانت هذه التطورات حجر الأساس في تحسين كفاءة خدمات نقل الدم وتوسيع استخدامها في أثناء النزاعات الكبرى (2).
في الوقت الحاضر، يُعد نقل الدم أحد الركائز الأساسية للرعاية الطبية على مستوى العالم، مع تسجيل أكثر من مئة مليون وحدة دم يُبرع بها سنويًا. يمثّل هذا الإجراء عنصرًا حيويًّا لعلاج المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية كبرى، أو يعانون إصابات خطيرة، أو يصارعون أمراضًا مزمنة كالسرطان، ويسهم نقل الدم مباشرةً في إنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة وإطالة أمدها (3).
هل تبرعتم يومًا بالدم؟ شاركونا تجاربكم في التعليقات
المصادر:
Learoyd P. The history of blood transfusion prior to the 20th century – Part 1. Transfus Med. 2012 Oct;22(5):308–14.
Available from: هنا;
Giangrande PLF. The history of blood transfusion. Br J Haematol. 2000 Sep;110(4):758–67.
Available from: هنا.
Myers DJ, Collins RA. Blood Donation. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2025 [cited 2025 Jan 14].
Available from: هنا
إعداد: Hamed Tarboosh
تعديل الصور:Ali Afoof