صلح وستفاليا؛ الطريق إلى التسامح في أوروبا

تُعدُّ حرب الثلاثين عامًا الحرب الأكثر أهمية بين الحروب الدينية والصراعات الأوروبية في القرن السابع عشر، وقد ساهمت الكثير من العوامل السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في إشعال فتيل هذه الحرب (1)، واستمدت هذه الحرب أهميتها ليس من طول مدتها فحسب، ولكن أيضًا من تأثيرها البالغ في إعادة تشكيل النظام الدولي (2).

في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1648م، أنهى صلح وستفاليا الذي عُقد في مونستر في ألمانيا حرب الثلاثين عامًا في أوروبا، وكانت هذه الحرب قد بدأت بثورة مناهضة لحكم هابسبورغ في بوهيميا عام 1618م، لكن سرعان ما تحولت إلى صراع من بين صراعات أخرى مختلفة تتعلق بدستور الإمبراطورية الرومانية المقدسة والدين ونظام الدولة في أوروبا، وكان هذا الصراع بمثابة حرب أهلية ألمانية، لكنَّ تأثير تدخل القوى الأجنبية كان حاسمًا؛ إذ نتج عن صلح وستفاليا توقيع معاهدتين بين الإمبراطورية الرومانية المقدسة والقوتين العظميين الجديدتين، السويد وفرنسا، وحُلَّت النزاعات داخل الإمبراطورية بضمانة هذه المعاهدات (3).

تتكون معاهدة وستفاليا من وثيقتين؛ معاهدة سلام أوسنابروك بين الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية والسويد، ومعاهدة سلام مونستر بين الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية وفرنسا؛ إذ أثرت معاهدات السلام أيضًا تأثيرًا كبيرًا في دستور الإمبراطورية الرومانية المقدسة إضافةً إلى إنهاء الحرب (4).

من أهم تداعيات معاهدة وستفاليا الاعتراف بالديانتين الكاثوليكية والبروتستانتية (اللوثرية والكالفينية) بوصفها ديانات متساوية، وسُمِحَ للأمراء باختيار دين أراضيهم وإجبار رعاياهم على الالتزام بهذا الدين، كما سُمح للبروتستانت الذين يعيشون في الأراضي الكاثوليكية بمواصلة ممارسة البروتستانتية إذا كانوا يفعلون ذلك بالفعل في العام 1624م. أما بالنسبة للحرية الدينية الفردية فقد نصت المعاهدة على أنَّ الكاثوليك في منطقة بروتستانتية والبروتستانت في منطقة كاثوليكية يُسمح لهم بممارسة دينهم في المنزل، وحضور الخدمات الدينية، وتربية أطفالهم وفقًا لدينهم، وسُمح لهم بالهجرة إلى مناطق أخرى يكون دينهم فيها مقدَّسًا (5).

ويُعدُّ صلح وستفاليا نقطة تحول مهمة نحو التسامح والسلام؛ إذ جرى التسامح مع الأقليات ومنحها الحق في الهجرة، ولم يعد من الممكن إجبار أي شخص على تغيير دينه (3).

المصادر: