الموسيقا > قصص وحكايات من الموسيقا الكلاسيكية
أصداء موسيقية من جزيرة الموتى
جو من الهدوء المتعب و الغموض يحيط بها، "إنها صورة حلم، السكون فيها يزرع رعبا كالطرق على الباب" قال عنها بوكلين، "جزيرة الموتى" هي سلسلة من خمس لوحات رسمها أرنولد بوكلين ، تخيل فيها جزيرة نائية معزولة مصوراً فيها ظروفاً شاذة استثنائية جعلت منها عملاً غامضاً ألهم عباقرة الفن و الموسيقى و منهم العملاق الروسي سيرغي راخمانينوف .
كما وصفه سترافنسكي " ستة أقدام و اثنين بوصة من الكآبة الروسية"، لطالما أعجب راخمانينوف بيوم الغضب "Dies irae" و هو لحن يستخدمه الروم الكاثوليك في قداس الموتى "الريكويم"، لقد اعتاد أن يستخدمه و يقتبس منه في كثير من مؤلفاته و منها "جزيرة الموتى" التجسيد المثالي لسوداوية الملحن و مأساويته،لقد استلهم هذا العمل من لوحة أرنولد بوكلين المؤرقة نفسها، تلك الجزيرة المعزولة المحاطة بمجموعة من الحجارة ، و هناك من المياه السوداء تبرز صخرة عظيمة فيها غرف دفن الموتى، و في مشهد اللوحة يقترب من الجزيرة قارب عليه رجل بملابس بيضاء كالطيف، كل شيء جامد و ميت.
تبدأ مقطوعة راخمانينوف بإيقاع مكتوم من التشيللو و القيثارة يشير فيه إلى حركة المياه المظلمة بالقرب من الجزيرة الهامدة، ثم يبدأ نمط حزين جديد يشارك فيه البوق الفرنسي French Horn معززاً جو القنوط السائد ،تظهر بعدها بعض ملامح من يوم الغضب "Dies irae" إلى أن تعود المقطوعة إلى النمط الابتدائي نفسه ، الآن تشتعل الموسيقى فهي كثيفة جداً لا تهدأ ، يزداد التوتر إلى أقصى حد و تظهر ألوان الأوركسترا ، و هنا تصل المقطوعة إلى ذروتها يتخلل ذلك ظهور لمحات من النمط الإبتدائي .
و أخيراً تهدأ الموسيقى ، و لكن تظهر لمحات أكثر من يوم الغضب ، و تدخل المقطوعة في نمط جديد تسيطر عليه الوتريات و آلات النفخ ، تزداد الحماسة و ترتفع إلى ذروتها، الموسيقى تظهر شغفاً عنيفاً تبدو فيه و كأنها تئن ، تتوجع ، تعاني و تكافح ، على أمل أن تهرب من هذا العالم الغريب الموحش ، و يسود مناخ جديد قاتم تتخلله لمحات أخرى من " Dies irae " ،ثم تبدأ الموسيقى بالتلاشي ، فتنتهي المقطوعة كما بدأت بجو ظلامي قاتم يظهر في آخره بيان أخير من لحن يوم الغضب.
" جزيرة الموتى"، " هكذا تكلم زرادشت"، " دون كيشوت " و غيرها الكثير من الأعمال الفنية و الأدبية التي لطالما ألهمت مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية و ساعدتهم في صياغة أعمال فنية مليئة بالدراما و الشغف ، هي روح الفنان التي تبحث دائماً عن الجمال لتعكسه بصورة أخرى أكثر فتنة و بهاء .
هوامش:
أرنولد بوكلين : رسام سويسري من أتباع المدرسة الرمزية ، كانت معظم لوحاته مستمدة من مواضيع ميثولوجية و خيالية ، من أشهر لوحاته " جزيرة الموتى" ، " صورة شخصية مع الموت" و " العودة" ، أثرت لوحاته في أعمال كثير من الفنانين نذكر منهم سيرغي راخمانينوف ، هاينريش شولتز و ماكس ريجر.
إيغور سترافنسكي : مؤلف موسيقي روسي الأصل ، يعتبر واحد من أهم المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين ، من أشهر أعماله باليه " بتروشكا" و طقوس الربيع .
سيرغي راخمانينوف : مؤلف موسيقي و عازف بيانو روسي ، يعتبر آخر ممثلي الرومنسية في الموسيقى الروسية ، تتميز موسيقاه بطابع سوداوي عنيف ، من أهم أعماله 4 كونشرتو للبيانو ، السمفونية الأولى و القصيد السمفوني "جزيرة الموتى"
للاستماع للمقطوعة
المصادر: