الفيزياء والفلك > فيزياء
اكتشاف سر الناقلية الفائقة عند درجات الحرارة المرتفعة
تمكن فريق من الباحثين من تحقيق سبق علمي هائل تم باكتشاف أصل الناقلية الفائقة في النواقل الفائقة عند درجات الحرارة العالية، الأمر الذي كان يعد لغزاً أرق العلماء لوقت طويل. فتسخير الإمكانيات التكنولوجية الهائلة للنواقل الفائقة في درجات الحرارة العالية أصبح الآن أقرب لمتناولنا بشكل مباشر، إذ سنستطيع استخدام هذه الخاصية في صناعة شبكات كهرباء لا تتبدد فيها الطاقة الكهربائية، وأجيال متقدمة من الحواسيب الخارقة، وأيضاً فيما يعرف بالقطارات المرفوعة مغناطيسياً. طبعاً سيصبح كل ذلك ممكناً بفضل التعرف على أصل هذه الظاهرة الفيزيائية.
والنواقل الفائقة هي مواد عادية تتميز بإمكانية نقل التيار الكهربائي بمقاومة معدومة ما يؤهله للاستعمال في مجال واسع من التطبيقات الفيزيائية والكهربائية، ولكن ضعف معلوماتنا حول منشأ هذه الظاهرة جعل قدرتنا على التعرف على مواد جديدة تحمل هذه الصفحة موضع الصدفة فقط. أما الآن فقد وجد الباحثون من جامعة كامبريدج أن تموجات صغيرة من الالكترونات، تعرف بموجة كثافة الشحنة، تصنع جيوباً (مناطق تجمع) ملتوية من الالكترونات في هذه المواد، ومنها تنشأ الناقلية الفائقة.
في بداية القرن العشرين تم التعرف على النواقل الفائقة عند درجات الحرارة المنخفضة، ولكنها كانت تستلزم تبريد المادة لدرجة حرارة قريبة من الصفر المطلق (-273 درجة مئوية) قبل أن تبدأ المادة بإظهار صفة الناقلية الفائقة، أما النواقل الفائقة عند درجات الحرارة المرتفعة نسبياً فبإمكانها إظهار نفس هذه الصفات ولكن في درجات حرارة أعلى تصل إلى (-135 درجة مئوية) ما يجعلها مناسبة لتطبيقات عملية مختلفة، ومنذ أن تم التعرف عليها في الثمانينات من القرن الماضي، فأن أفضل وصف كان لعملية التعرف على نواقل فائقة ذات درجات الحرارة العالية هو انها كانت عشوائية، وبينما حدد الباحثون العوامل المؤثرة في الناقلية الفائقة عند درجات الحرارة المنخفضة إلا أن العوامل المؤثرة عند الدرجات المرتفعة من الحرارة بقيت عصية عن الحل.
في الناقل الفائق، وكما هو الحال في أي أداة الكترونية، ينتقل التيار بانتقال حوامل الشحنة أو الالكترونات، أما الشيء المختلف في النواقل الفائقة فهو أن الالكترونات تسافر في أزواج مرتبطة بشدة، فعندما تسافر الالكترونات بمفردها تميل الالكترونات إلى الاصطدام ببعضها، مؤدية بذلك إلى خسارة في الطاقة. ولكن عندما تكون مرتبطة في أزواج، فإن الالكترونات تنتقل بسلاسة عبر بنية الناقل الفائق، ولهذا فإن النواقل الفائقة تنقل التيار الكهربائي بدون مقاومة، وبالحفاظ على درجة الحرارة منخفضة بما يكفي فإن الأزواج الالكترونية ستتابع انتقالها ضمن الناقل بشكل لا نهائي.
يكمن العامل الأساسي في فهم النواقل الفائقة عند درجات الحرارة المنخفضة في التفاعلات المتبادلة بين الالكترونات وبين بنية الشبكة البلورية للمادة. فهذه التفاعلات تولد نوعاً من الارتباط يبقي على تماسك الالكترونات مع بعضها. وقوة هذا الارتباط تتعلق بشكل مباشر بقوة الناقل الفائق، فعندما يعرض الناقل لزيادة في درجة الحرارة أو زيادة في قوى الحقل المغناطيسي، فإن الارتباط يضعف وتنكسر الرابطة بين أزواج الالكترونات ونفقد بالتالي صفة الناقلية الفائقة.
وحسب أحد القائمين على البحث، فإن المشكلة مع النواقل الفائقة ذات درجات الحرارة العالية هي أننا لا نعلم كيف نجد المزيد منها، بسبب عدم معرفتنا بالعوامل المسؤولة عن نشوء ظاهرة الناقلية الفائقة عند درجات الحرارة العالية، نعلم أن هناك ما يسبب ارتباط الالكترونات بشكل أزواج ولكننا لا نعلم ما طبيعة ذلك الارتباط.
ومن أجل أن حل لغز الناقلية الفائقة في درجات الحرارة العالية، قام العلماء بالعمل بشكل تراجعي، إذا قاموا بتحديد صفات المادة في وضعها الطبيعي (غير الفائق)، أملين أن يقودهم ذلك إلى معرفة سبب الناقلية الفائقة.ويوضح أحد الباحثين أنهم كانوا يحاولون فهم نوع التأثيرات التي تحصل في المادة قبل أن ترتبط الالكترونات بشكل أزواج لأن أحد هذه التفاعلات يجب أن يكون مسؤولاً عن نشوء الارتباط لاحقاً عند تبريد المادة فبمجرد ارتباط الالكترونات سيصبح مستحيلاً تحديد سبب ارتباطها، ولكن لو استطاع الباحثون كسر الزوج الالكتروني، عندها سيكونون قادرين مراقبة سلوك الإلكترون وفهم من أين تنشأ الناقلية الفائقة.
ويلاحظ أن الناقلية الفائقة تميل إلى إلغاء الخصائص الأخرى للمادة، فمثلاً إذا كان ناقل فائق ما يتمتع بخواص مغناطيسية في حالته الطبيعية فإن مغناطيسيته تلغى عند دخوله في طور الناقلية الفائقة. وبذلك فإن تحديد الناقل الفائق في الحالة الطبيعية يجعل من عملية التعرف على نواقل فائقة جديدة اقل عشوائية برأي فريق البحث إذ أنهم سيعرفون عن ماذا يبحثون.
ومن خلال العمل في مجالات مغناطيسية قوية جداً، تمكن الباحثون من تثبيط تأثير الناقلية الفائقة في ال" cuprates" وهو صفائح رقيقة من النحاس والأوكسجين مفصولة عن بعضها بأنماط معقدة من الذرات. المحاولات السابقة لتحديد أصل الناقلية الفائقة عن طريق تحديد صفات الحالة الطبيعية، استخدمت التأثيرات الحرارية بدلاً من الحقول المغناطيسية لفصل أزواج الالكترونات عن بعضها، مما أدى إلى نتائج غير حاسمة.
وبما أن الـ cuprates هو ناقل فائق جيد، فقد تطلب الأمر أقوى حقل مغناطيسي في العالم (100 تيسلا) وهو تقريباً يعادل مليون مرة الحقل المغناطيسي الأرضي، وذلك لحجب الصفات الفائقة للناقل الفائق.
وتمكن الباحثون أخيراً وبفضل هذه التجارب من حل اللغز الذي كان يلف جيوب الالكترونات في الحالة الطبيعية والتي ترتبط لتعطي خاصية الناقلية الفائقة. فقد كان من المعروف سابقاً وبشكل واسع أن جيوب الالكترونات تقع في المناطق ذات الناقلية الفائقة الأقوي ضمن الناقل. ولكن التجارب الحالية باستخدام الحقل المغناطيسي كشفت لنا عن تموجات هندسية غريبة ملتوية، حيث أن كل طبقة تذهب باتجاه مختلف بالنسبة للطبقة التي فوقها أو التي تحتها. وحددت النتائج أن الجيوب تقع في المناطق التي تكون الناقلية الفائقة عندها أضعف ما هي عليه، ومنشأ هذه الجيوب هو تموجات من الالكترونات المعروفة باسم موجات كثافة الشحنة، وهذه هي الحالة الطبيعة للمادة التي قام الباحثون بعكسها لكي تظهر صفة الناقلية الفائقة في مجموعة النواقل الفائقة التي قامو بدراستها.
وعن طريق تحديد مواد أخرى تملك خواص مشابهة يأمل الباحثون إيجاد نواقل فائقة جديدة عند درجات حرارة أعلى وأعلى حتى عند درجة حرارة الغرفة ربما مما سيفتح الباب واسعا نحو تطبيقات ضخمة قد تغير كثيرا من حياتنا.
ملاحظة: يظهر في الصورة مغناطيس موضوع فوق عينة من ناقل فائق. بعد تبريد العينة بواسطة النتروجين السائل حتى تنتقل لطور الناقلية الفائقة يرتفع المغناطيس بسبب الخواص المغناطيسية الجديدة للعينة فيما يعرف بمفعول ميزنر.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: Mike Bell on Flickr