كتاب > روايات ومقالات
أسلحة، جراثيم، وفولاذ.. المجتمعات البشريّة، نشوؤها ومصائرها!
يحاول جارد دايموند في كتابه هذا الإجابة عن سؤال طرحه عليه أحد الزعماء المحليين في جزيرة بابوا غينيا الجديدة في سبعينات القرن الماضي. حينها كانت بابوا غينيا الجديدة على طريق الحصول على استقلالها عن أوستراليا وأراد الزعيم المحلي الإستفسار من مؤلف الكتاب عن العوامل التي جعلت الأوروبيين يمتلكون البضائع المختلفة ويتمكنون من إستعمار الدول الأخرى بدلاً من أن يحدث العكس.
لماذا لم تخرج قوارب الإنكا من أمريكا لتكتشف أوروبا وتحتلها بدلاً من أن يحدث العكس؟ لماذا وجد الأوروبيون عندما وصلوا الى استراليا شعوباً بدائية كأنها لا تزال في العصر الحجري بدلاً من أن يجدوا حضارة أرقى وأكثر تقدماً من حضارتهم؟
كانت إجابة العلماء في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على هذا النوع من الاسئلة واضحة. سيجيبونك بكل صراحة ودون مواربة بأنه العرق الأبيض من البشر وما يحمله من صفات أهلته لأن يقود البشرية. هنا يتقدم جارد دايموند بنظرته لمسألة الحضارة ونشوئها محاولا دحض اي شكل من أشكال التميز بين البشر على أساس العرق.
يعتبر دايموند أن الانسان ابن بيئته الجغرافية وأن هذه البيئة تلعب دوراً هاماً في بناء الحضارة أو هدمها. ينطلق في كتابه من فترة مهمة في تاريخ البشرية، فترة كان فيها جميع البشر على كل القارات الخمس متماثلين في أنماط حياتهم وكلهم يعتمدون على الصيد والجمع والالتقاط للحصول على طعامهم. كان ذلك قبل ثلاثة عشر ألف سنة أي قبل قليل من اكتشاف الزراعة في الشرق الأوسط أولاً.
يسير بعد ذلك دايموند مع المجموعات البشرية على القارات المختلفة معللاً حتمية اكتشاف الزراعة في العالم القديم مفسراً تأخر اكتشافها في العالم الجديد أو عدم اكتشافه كلياً في بعض أجزائه كأوستراليا مثلا. فهو يعزو ظهور الزراعة في مراكز الحضارة الأولى في الهلال الخصيب لتوافر المحاصيل البرية من الحبوب الأولى التي زرعها الانسان (القمح والشعير) بشكل بري في هذه المنطقة اضافة الى سهولة زراعتها بعكس العديد من الأنواع المحلية في افريقيا والعالم الجديد.
كما يتحدث عن أهمية الإمتداد الأفقي للعالم القديم (أوروبا وآسيا) مقارنة بالإمتداد الشاقولي للأميركيتين وأفريقيا في انتقال الزراعة، البشر والإختراعات ضمن العالمين، حيث أن الامتداد الأفقي يعني مناطق أوسع على خط عرض واحد وبالتالي خضوعها لنفس الظروف البيئية والمناخية بينما الإمتداد الشاقولي يعني عدم إمكانية نقل المحاصيل والصناعات نتيجة للتباين السريع بين المناطق القريبة. فعلى سبيل المثال يسود نفس المناخ تقريبا من الساحل الشرقي لآسيا وحتى إسبانيا بينما تفصل الصحراء الكبرى شمال إفريقيا ذي المناخ المتوسطي عن وسط إفريقيا الإستوائي عن جنوبها المعتدل مرة أخرى.
ينتقل بعد ذلك الى تفسير دور الزراعة وانتاج الغذاء في تشكيل مجتمعات أكبر قادرة على تحمل أعباء جيوش محترفة متفرغة للقتال بينما يهتم المزارعون بإطعامهم.
يتحدث دايموند أيضاً عن تربية الحيوانات وما رافقها من أوبئة لا نزال نراها في أيامنا هذه (انفلونزا الخنازير، جنون البقر...) وكيف أن تعرض البشر في العالم القديم لهذه الأوبئة طور مناعتهم وجعلهم محصنين منها مقارنة بسكان العالم الجديد الذين قضت عليهم أوبئة العالم القديم التي جلبها المستكشفون معهم.
الكتاب رائع ويغير طريقة التفكير بالعالم . حائز على جائزة البوليتزر المرموقة لعام 1998 وهو متوافر باللغة العربية من قبل الدار الأهلية للنشر والتوزيع في نسخة من 687 صفحة. ينصح به لكل عشاق التاريخ، الأنثروبولوجيا والاقتصاد.