الفيزياء والفلك > فيزياء
رصد الخواص الكمومية الغريبة في جسيمات أكبر بكثير من السابق
تعتبر ثنائية موجة-جسيم أحد المفاهيم المركزية في ميكانيك الكم -وينص هذا المفهوم على أنه يُمكننا اعتبار كل الأجسام إما كموجة أو كجسيم وذلك بحسب نوع التجربة أو القياس الذي نقوم به. يصعب تخيل هذا الأمر، إن لم يكن تخيله مستحيلاً. لكن إثبات هذا الأمر في مختبر مدرسة يُعتبر أمراً بسيطاً جداً.
في تجربة الشقين الشهيرة، تتحرك حزمة من الجسيمات، كالالكترونات مثلاً، عبر شق مزدوج وبعد ذلك تصدم شاشة موجودة في خلف الشق، حيث يصل كل الكترون على شكل نقطة محددة على الشاشة.
ولكن في حين يصل كل الكترون كجسيم كامل عند نقطة محددة، تشكل الالكترونات على الشاشة مجتمعةً نمط تداخل (سلسلة متوالية من الخطوط المضيئة والمظلمة أو مناطق توجد فيها الالكترونات بكثرة ومناطق تنعدم فيها تقريبا) يُمكن تفسيره فقط إذا اعتبرنا أن الالكترونات تسلك سلوك الأمواج، وتصبح هذه الأمواج بالتالي متداخلة ومتراكبة.
ولكن الأغرب أن قوانين ميكانيك الكم تستوجب أن هذا التأثير يُمكن قياسه من أجل أجسام أكبر بكثير. وفقاً لميكانيك الكم، نستطيع أيضاً ملاحظة ثنائية موجة-جسيم والتراكبات الكمومية في حالة الأجسام الماكروسكوبية (الجهرية) – كالفايروسات والخلايا مثلا وحتى أجسام بحجم كرات البيسبول من الناحية النظرية.
بالطبع، لم يشاهد أحداً التراكب الكمومي لكرة بيسبول أو لأي شيء يتمتع بحجم قريبٍ من هذا الحجم لأنها ستكون تجربة صعبة جداً، لكن الفيزيائيين شاهدوا ثنائية الموجة-جسيم من أجل البروتونات، الذرات والجزيئات الأكبر حجماً بكثير -مثل الفوليرين. يؤدي كل ما سبق إلى ظهور سؤال مهم: ما هو حجم أكبر جسم يمكن للفيزيائيين أن يلاحظو خواصه الموجيّة؟
حطمت ساندرا آيبنبيرغر وبعض زملائها من جامعة فيينا في النمسا رقما قياسياً في رصد التراكب الكمومي وذلك جراء رصدهم للسلوك الموجي لجزيئات ضخمة تحتوي أكثر من 800 ذرة.
من الصعب القيام بهذا النوع من التجارب. عملياً، يُشابه الأمر تجارب الشق المزدوج التي تكشف عن السلوك الموجي للالكترونات ولذلك، يتطلب الأمر حزمةً من الجسيمات، مجموعة من الشقوق لكي تمر الحزمة عبرها وكاشف يقوم بتسجيل موضع كل جسيم في الجانب الآخر. ولكن في حين يُعتبر صنع حزمة متناسقة من الالكترونات أو حتى الذرات أمراً بسيطاً، إلا أن الحالة ليست كذلك مع الجزيئات.
قامت آيبنبرغر ومساعديها بذلك من خلال تسخين عينة من الجزيئات إلى درجة تبخرت معها ومر الغاز عبر شق ضيق ليشكل بالتالي حزمةً تنحني جراء قوة الجاذبية. بعد ذلك يسمح شق أفقي آخر بتمرير الجزيئات التي تمتلك سرعة محددة فقط، إذا أن الجزيئات تتحرك جميعها على مسار منحني (ندعوه قطع مكافئ ) يعبر فوق أو تحت الشق بحسب سرعة كل جزيء. نتيجة لهذا ينشأ لدينا حزمة من الجزيئات التي تمتلك طاقة حركية محددة.
المشكلة هي أن بضعة جزيئات كبيرة فقط تنجو من هذه العملية. يجب أن تكون هذه الجزيئات متطايرة بحيث يمكنها تشكيل غاز، لكن من ناحية أخرى يجب أن تكون متماسكة إلى درجة كافية وتمنعها من التفكك عندما نسخنها لكي تتطاير بشكل غاز. لأسباب تقنية تتعلق بمعدات التجربة، من الضروري أن تحقق هذه الجزيئات بعض الخواص الاخرى كأن تكون شفافة للضوء عند ترددات محددة جداً. وبالتالي فالتجربة تتطلب الكثير من الشروط.
قامت آينبرغر ومساعديها بتحقيق المطلوب من خلال صنع جزيئات تشبه الشجرة في شكلها مركزها مكون من البورفيرين (porphyrin) مع وجود إضافة مكونة من سلاسل مشبعة بالفلور. تمتلك هذه الجزيئات ترابطا ضعيفا ما بين بعضها مما يسمج بتطايرها كغاز ولكن كل جزيء بحد ذاته مستقر بشكل كاف عند تسخينه.
بعد أن شكل الباحثون حزمة من هذه الجزيئات قاموا بتمريرها عبر سلسلة من الشقوق التي تكشف عن أي مميزات موجية. وبصورة مؤكدة شكلت الجزيئات نمط تداخل على الشاشة أمام الكواشف مما يعني أن الفريق رصد هذه الجسيمات تتصرف كأمواج.
توضح قياسات الفريق أن الخواص الموجية لهذه الجزيئة توافق خواص موجة يصل طولها الموجي إلى 500 فيمتومتر ( الفيمتومتر هو جزء من مليون مليار من المتر). وهو أصغر بحدود عشرة ألاف مرة من قطر الجزيئة نفسها. وبذلك أكدت بيانات الفريق رصدهم للخواص الموجية لجزيء يتألف من حوالي 5000 بروتون، 5000 نترون و5000 الكترون وبما يتفق مع توقعات ميكانيك الكم. وهي نتيجة مثيرة للإعجاب وخطوة مهمة نحو الكشف عن ثنائية الموجة-جسيم والتراكب الكمومي في الأجسام الماكروسكوبية.
على أية حال، يُبقي هذا الأمر سؤالاً مفتوحاً حول مقدار الحجم الذي يتمتع به جسيم ما ويمكننا في الوقت نفسه رصد خواصه الموجية. بالتأكيد هذه الجزيئات صغيرة لكنها من حجم برتبة أحجام أصغر الفيروسات. لذلك فإن امتلاك الفيزيائيين للقدرة على رصد السلوك الكمي عند هذه المستويات لا يعتبر أمراً يقع خلف حدود الواقع.
خواص موجية للفيروسات؟ بوجود هذه البيانات لا تدع الأمر يفاجئك مستقبلاً.
المصدر: هنا
البحث المنشور: arxiv.org/abs/1310.8343