التاريخ وعلم الآثار > التاريخ
الشخص الأكثر تَسَبُباً بالضرر لكوكب الأرض
وُلد توماس ميدجلي جونيور في أيار عام 1889، ودرس الهندسة الميكانيكية وحصل بها على درجة الدكتواره من جامعة كورنيل عام 1916، ثمَّ تلقَّى تدريباً في الكيمياء التي - على ما يبدو - استمالته أكثر من غيرها؛ ولهذا بدأ عمله بها.
تصدَّى د. ميدجلي لمشكلة الطرق في محركات الاحتراق الداخلي وحاول إيجاد حل لها.
تحدث ظاهرة الطرق نتيجة الاشتعال الفوري غير المتزامن لمركبات الوقود؛ ممَّا يسبب موجات صدمة داخل حجرة الاحتراق، وبذلك يرفع الضغط على الأسطوانات مسبِّباً إجهاداً لها؛ ممَّا ينقص من عمر المحرك، وتمكن د. ميدجلي بعد بحث دام ست سنوات من حلِّ هذه المشكلة بإضافة أحد مركبات الرصاص (رباعي إيثيل الرصاص) إلى الوقود.
طُرِحَ هذا الحل في الأسواق عن طريق مادة تُضاف للوقود وأُطلِق عليها اسم "إيثيل" لإبعاد أيّة صلةٍ لها بالرصاص، وسُوِّقَ من قبل كبرى شركات السيارات والنفط في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تثنِ الحوادث التي أصابت العمال في أثناء إنتاج الإيثيل الشركة عن الترويج لها، على الرغم من إصابة ميدجلي نفسه بالتسمُّم بالرصاص.
ويُعَدُّ الرصاص من السموم العصبية التي قد تؤدي إلى العمى والأرق والفشل الكلوي وفقدان السمع والسرطان وغيرها من المشكلات، وقد مُنِعَ الإيثيل وإضافات الوقود الحاوية على الرصاص كلياً في الولايات المتحدة عام 1986 بعدما أظهر 68 مليون طفل مستويات سامَّة من الرصاص المُمتص، وسُجِّلت قُرابة 5000 حالة وفاة سنوياً جرَّاء أمراض قلبية سبَّبتها نسب الرصاص العالية.
وبعد حل مشكلة الطرق في المحركات "بنجاح" اتجه د.ميدجلي نحو مجال التبريد لحل مشكلة المبردات التي تستخدم غازات خطيرة؛ فقد سبَّبَ حادث تسرب من منشأة تبريد عام 1929 وفاة أكثر من مئة شخص؛ ممَّا جعل ميدجلي مصمماً على إيجاد الحل سريعاً، وبالفعل وجدَ د. ميدجلي الحل بزمنٍ لا يتجاوز ثلاثة أيامٍ، إذ استخدم خبرته في الكيمياء بصناعة مركبات جديدة تتميز بخصائصَ ممتازةٍ في نقل الحرارة، بالإضافة إلى أنها عديمة السمِّيَّة وهي: الكلوروفلوروكربونات ومن ضمنها الفريون الذي تبيَّن لاحقاً أثره المدمِّر في غلاف الأوزون، وما يتبعه من تعريض سطح الأرض لكمياتٍ هائلةٍ من الأشعة فوق البنفسجية الضارَّة.
نال توماس ميدجلي العديد من التكريمات والأوسمة خلال حياته، إذ إنَّ أغلب الآثار السيئة لمنتجاته لم تكن معروفة أو غُطِّيَت بمعرفة الشركات التي كانت تجني المليارات من ورائها.
كان له العديد من الاكتشافات والاختراعات الأخرى، ولكنَّ آخر اختراعاته الكارثية كانت أداة تساعده على النهوض من السرير بعد إصابته بالشلل عام 1940، وكانت هذه الأداة كارثية بامتياز؛ إذ إنها أنهت حياةَ هذا المخترع العظيم (سيِّئ الحظ) عندما التفَّت حولَ رقبته وسبَّبت له الاختناق عام 1944.
قد نعتقد أن ميدجلي سيشعر بندمٍ شديدٍ لو اكتشف ما تسبَّبت به اكتشافاته، ولكنه لم يعش ليعرفَ ذلك.. فاستحق عن جدارة ما وصفه به المؤرخ البيئي مك نيلز بأنه "الكائن الحي الأكثر تأثيراً على بيئة كوكب الأرض عبرَ التاريخ".
المصادر :