البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

مقبرة أكبر سمكةٍ على الإطلاق

ملاحظة: أعزائي القراء، ستصادفكم بعض الكلمات التي يوجد على أعلاها من اليسار إشارة"*" و هي كلمات تم شرحها في أسفل المقال.

ما الذي يتبادر إلى أذهانكم أعزائي القراء عند سماع كلمة الموت؟

الحزن و الوداع و الفراق و أشياء أخرى سيئة، لكن وبغض النظر عن البعد الاجتماعي، و بمعنىً آخر، لنتحدث عن موت حيوانٍ من منظورٍ النظام الحيوي الموجود في كوكبنا ولتتشوقوا أكثر فإننا نتحدث عن موت أكبر كائنٍ في المحيطات على الإطلاق، إنه "القرش الحوت". في الحقيقة إن موت هذا الحيوان يقدم الحياة لعددٍ هائل من الحيوانات الأخرى، و لكي نزور قبره الغني بأشكال الحياة المتنوعة فإننا سنستعمل مركبةً تعمل بالتحكم عن بعد لنصل إلى قاع المحيطات حيث ترقد جثته هناك.

لقد تم ذلك بالصدفة –صدفةٌ جميلةٌ- حيث عثر علماءٌ من جامعة بيلموث على جثة السمكة المسماة (القرش الحوت)1-و هو نوع من القروش، حيث كانت جثةً ضخمةً راقدةً في أعماق المحيط. ووجدوا هناك أيضاً أعداداً هائلةً من الرميات (الكائنات التي تتغذى على كائناتٍ أخرى ميتة) ، و قد قدم هذا الاكتشاف الفرصة للعلماء ليروا العملية التي تنقل وحش المحيطات هذا و الذي قد يصل طوله إلى 20 متراً2 من قمة الهرم الغذائي إلى كونه مصدر طعامٍ للكثير من الحيوانات ، مصدرٌ قد يستمر لأكثر من 100 عام و إن كنتم تجدون الرقم مبالغاً فيه فتعالوا معي نكمل تعرفنا على ما يحدث لهذا الكائن عند موته.

إذاً، عندما يموت القرش الحوت أو الحوت فكيف ستبدأ ملحمة أكل جثته يا ترى؟

حسناً، إن البقاء في عالم البحار حاله كحال الغاب، لا يسود فيه إلا الأقوى و لذلك سيكون اللحم الطازج من نصيب بعض أنواع الحيتان و القروش الأخرى، وبعدها يأتي دور السرطانات و الجمبري ليقوموا بالتهام بقايا اللحم و عندما يفرغ هؤلاء من طعامهم يظهر نوعٌ من الكائنات تسمى

أو "دودة الزومبي" و التي تتغذى على العظام و من ثم تساعدها البكتريا خاصتها Osedax في تفكيك ما تبقى من الدهون.

و لأوضح لكم الصورة، ألقوا نظرةً على هذا التصميم الذي يوضح المراحل التي يتم بها التهام جثة القرش الحوت .

إذاً، لقد قدمت هذه الجثة فرصة الحياة لعددٍ كبيرٍ من الكائنات فهي بادىء ذي بدىء وجبةٌ دسمةٌ للحيتان و القروش الأخرى ومن ثم للديدان البحرية المختلفة و أخيراً ولمدةٍ تصل لنصف قرن مصدرٌ للطاقة للبكتريا ولمتعضياتٍ مختلفةٍ كثيرة، وهذا الاكتشاف بالغ الأهمية كون الحيتان و الأسماك الضخمة التي تموت قد لا تصل إلى القاع بل تطفو على سطح المحيط أو ترسو على الشاطىء8 ناهيكم عن أن هذه الحيتان التي تملك منظومةً حيويةً خاصةً بها (أي مجموعة من الكائنات الحية تقوم معها بعلاقات حيوية مختلفة) ستبدأ بتحلليلها-أي تحليل هذه الحيتان- فور موتها مما لن يسمح لنا برؤية السلسلة الحيوية التي رأيناها قبل قليل .

و في النهاية، أتذكر مقولة لكارل ساغن،"في مكانٍ ما،هناك شيءٌ مذهلٌ ينتظر أن يتم اكتشافه"9 و فعلاً، إن جثة هذا الكائن الضخم القابعة في أعماق المحيط والتي تحوي على هذا النظام البيئي المذهل من الأسماك التي تتغذى عليها والبكتريا وباقي الكائنات التي تفككها والتي تعتبر أنموذجاً لتحول جثة الكائن الميت إلى مصدر حياة للكائنات الأخرى إن صح التعبير، وهي تمثل فعلاً الشيء المذهل الموجود في مكانٍ ما و الذي ينتظر الاكتشاف، الكون رائعٌ و مليىءٌ بالاشياء المذهلة التي يمكن أن نكتشفها عن طريق العلم.

توضيح بعد الكلمات:

*أسماك الجريث: و هي أسماكٌ عمياء عديمة الفك و ذات فمٍ ماص من رتبة الفقاريات3

*الاستقلاب: كما نعرف جميعاً، تقوم الكائنات الحية بتشكيل المواد اللازمة لها عن طريق

عملياتٍ حيويةٍ تسمى الاستقلاب (الأيض)، و هو نوعان: استقلاب هوائي يعتمد على الأوكسجين

ولاهوائي لا يعتمد الأوكسجين5.

*العلاقة التشاركية:هي علاقة حيوية بين حيوانات أو نباتات من أنواع مختلفة يتم فيها غالباً تبادل المنفعة بين هذه الكائنات7

المصادر:

بشكل أساسي:

هنا

و تمت الاستعانة بـ:

هنا

3- Encarta قاموس موسوعة