الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض
كيف سنحت الفرصة لكويكب بالتسبب بانقراض جماعي للديناصورات؟
حدث منذ 65 مليون سنة أن اصطدم كويكب بالأرض، وقيل أنه قضى على حوالي 50 بالمئة من أحيائها، الديناصورات ضمناً. أطلق على ذلك الكويكب "الطائش" اسم تشيكسولوب " Chicxulub"، أما منطقة الاصطدام فهي ما يعرف اليوم بشبه جزيرة يوكاتان " Yucatan" في المكسيك. فعملياً يوكاتان هي فوهة قطرها 180 كم وعمقها 10 كم. بلغت قوة اصطدام تشيكسولوب بالأرض ما يعادل قوة انفجار 100 ألف مليار طن من الـ TNT. تكفي هذه القوة للتسبب بزلزال بشدة أكبر 1000 مرة من شدة أي زلزال ضرب الأرض يوماً. وبالفعل تبع هذا الحدث موجات مدّ هائلة وحرائق غابات امتدت لسنوات وقضت على أحياء لم يطلها التأثير المباشر لضربة الكويكب. هذا ما تقوله الرواية المتداولة (1)، إلا أن ذلك وحده ليس كافياً للتسبب بالانقراض الجماعي لأكثر من نصف الأنواع على الأرض. خصوصاً إذا علمنا أن كويكبات مماثلة ضربت الأرض ولم تسبب انقراضاً جماعيا “Mass extinction”. وبالتالي فإن السؤال هو، لماذا كانت هذه الضربة مختلفة إلى هذا الحد؟
يبين سجل الحفريات العائد لـ 65 مليون سنة (في نهاية العصر الطباشيري) أن الديناصورات غير الطائرة اختفت فجأة، وعلى مدى عقود، كان العلماء يحاولون أن يحددوا بالضبط كيف ولماذا؟! هم يتفقون بالفعل على أن دور الكويكب كان رئيسياً، ولكن المناقشة تتركز اليوم حول ما إذا كان هذا الحدث هو السبب الوحيد للانقراض الجماعي، أو ما إذا كانت عوامل أخرى قد لعبت دوراً في ذلك.
قيل سابقاً أن النشاط البركاني الهائل، الذي شهدته الأرض في نهاية العصر الطباشيري، هو أحد تلك العوامل. فلقد تم افتراض أن الغازات البركانية المنطلقة، مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، تسببت باحتباس حراري وأمطار حامضية أدت إلى انخفاض في تعداد الديناصورات وإضعافها إلى درجة أنها عجزت عن البقاء على قيد الحياة في أعقاب ضربة الكويكب. لكن الديناصورات كانت في أوجها حينئذِ، أي قبل 65 مليون سنة!!
تشير أحدث الدراسات في هذا المجال (2) إلى تحول بيئي محدّد جرى في وقت ضرب الكويكب تسبّب بضعفٍ دفعَ بتجمعات الديناصورات إلى الحافة، أثناء مواجهتها الحدث الكارثي (ضربة الكويكب). تم استعراض أحدث البيانات المتاحة عن الديناصورات في وقت قريب من الانقراض في محاولة لفهم ما جرى وقد برز نمط واضح؛ على الرغم من أن أعداد الديناصورات كانت ثابتة في الوقت الذي ضرب الكويكب إلا أن "تنوّعها" (عدد أنواعها وليس عدد أفرادها) قد استمر بالتراجع على مدى ما يقارب المليون سنة، وخاصة بين الحيوانات العاشبة الكبيرة جداً مثل الكيراتوبسيا " ceratops" والهادروصوريات " hadrosaurs".
لم يكن ذلك تراجعاً كبيراً في التنوع (ربما 10% فقط)، ولكن ما حدث أن نوع الديناصورات الذي واجه مشكلة، هامٌ بيئياً. فالأنواع آكلة النبات جزءٌ أساسيٌ من النظام البيئي، إذ تشكّل المرحلة الأولى في تحويل الطاقة من نبات إلى غذاء لجميع الحيوانات الأخرى على هذا الكوكب.
فأي مشكله تتعرض لها الديناصورات العاشبة ستجعل النظام البيئي بأكمله يغدو مهزوزاً، ولعلّ التغيرات البيئية الناجمة عن النشاط البركاني قد أثرت فيها مع بعض العوامل الأخرى التي تحتاج للمزيد من الدراسة، ولكن أياً كان السبب لابد أن التراجع في تنوع الديناصورات العاشبة جعل مجتمعاتها أقل مرونة في مواجهة الحدث الكارثي. فإذا تسببت مرحلة ما عقب الضربة بزوال هذه الأنظمة، فستنتقل الآثار كموجة في جميع أنحاء العالم.
ركزت الدراسة أساساً على السجل الأحفوري في أمريكا الشمالية، ولكن هناك أماكن أخرى حول العالم حيث ينبغي البحث لتأكيد هذا النمط من تراجع تنوع العاشبات. فأماكن كإسبانيا، جنوب فرنسا، الصين، وربما الأرجنتين، قد توفر المزيد من الأدلة.
إذا لو ضرب تشيكسولوب الأرض في ظروف ازدهار الديناصوات لا في ظروف تراجع تنوّعها، لو حدث ذلك لربما كان شكل الأرض مختلفا كليا عما هو عليه اليوم. وعلى الرغم من الأثر السلبي لانتشار الانسان الأول على وجود الأحياء الكبيرة (3) كان من الممكن أن ينجح الإنسان في الحفاظ على بعض الديناصورات، ما يكفي لعرضها "حية" في حديقة الحيوانات على الأقل!
مصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
الصور ومزيد من التفاصيل المثيرة: