البيولوجيا والتطوّر > التطور
فحص لحديثي الولادة يكشف عن أمراض مستقبلية
-كم نقطة دم بس ... بيكفونا لنعرف إذا ابنك ممكن يمرض مرض خطير بالمستقبل ونحميه ونحافظ على تطور عقلو السليم …. موافق؟
- عنجد!! أي طبعاً موافق!
فحصُ حديثي الولادة هو فحص دمٍ روتينيّ تتّبعه مجموعة كبيرة من دول العالم اليوم، رائدتها الولايات المتحدّة، البلد الّذي أطلق هذا النوع الهام من الفحوص الروتينيّة والخاص بالمولودين حديثاً بهدف الاطمئنان على صحّتهم في المستقبل من مجموعة كبيرة من الأمراض الوراثيّة الاستقلابيّة الخطيرة، بعضها شائع، وبعضها نادر، ويختلف ذلك تبعاً للمنطقة والظروف الجغرافيّة والبيئيّة المحيطة.
تكمن أهميّة هذا النوع من الاختبارات في أنّ غالبيّة هذه الأمراض لا تُعالَج جذريّاَ للأسف ولكن إذا شُخّصت مبكّرا قد تُعَاوض طبّيّاً بشكل جيّد، بحيث نقي الطفل من الأخطار التطوّريّة الّتي قد تصيب مختلف أجهزة جسمه ومن أهمها وأخطرها تطوّر عقله، لا بل وكامل جهازه العصبيّ، فمثلاً مرض قصور الدرق الولاديّ –وهو شائع في سوريا– يُسبِّب بعد شهرٍ واحد فقط من الولادة بطءاً في النموّ ومشاكل عقليّة وتطوريّة وجسديّة خطيرة، بينما يُمكن –إذا شُخِّص باكراً– أن يُعالَج بجرعة أدوية يوميّة دون أن يؤثّر على النموّ والتطوّر.
⦁ ينقذ هذا الفحص سنويّاً حياة أكثر من 12000 طفل في الولايات المتّحدة ويحافظ عليها بأفضل ما يمكن.
⦁ التكلفة الماديّة لهذا الفحص في الولايات المتّحدة لا تُقارن مع الخسائر الّتي يسبّبها التشخيص المتأخّر لمثل هذه الحالات.... وهذا ما سنراه بالتفصيل في مقالنا... حيث سنروي الحكاية من بدايتها وحتى اليوم...
الأصول والتاريخ:
"لقد بدأ البحث بسبب ابننا الثاني (جون)، لديه تأخّر عقلي. لقد حفّزني (جون) لأقوم ببحثٍ يهدف إلى منع الإصابة بالتأخّر العقليّ والمشاكل التطوريّة."- د. روبرت غوثري الملقّب بـ "أبي فحص حديثي الولادة"، في مقالٍ كتبه لصحيفةٍ طبيّة.
من هنا بدأت القصّة في البحث عن أسباب تأخّر ابنه العقلي بالتعاون مع باحثين آخرين، إذ اقترح أحدهم وهو روبرت وارنر (طبيب) أحد الأمراض الوراثيّة الاستقلابيّة سبباً لذلك وهو بيلة الفينيل كيتون "PKU"، على الرغم من أنّه لم يكن السبب إلا أنّ هذا الاقتراح كان سبباً لبدايات التفكير بـ "فحص حديثي الولادة"، حيث يتساءل د.غوثري: "أليس من الممكن معرفة وجود المرض قبل بدء ظهور الأعراض؟؟ ألا نستطيع إيقافه قبل أن يؤّثر على التطوّر العقلي والجسدي لأطفالنا؟؟..." وفعلاً حدث ذلك..
حديثاً وتحديداً في شهر مايو من العام المنصرم، أصدرت مؤسّسة مخابر الصحّة العامّة APHL في الولايات المتّحدة كتيّباً يروي بالكامل قصّة فحص حديثي الولادة منذ البداية حتّى اليوم (بعد مرور 50 عاماً)، ومنه نقتبس لكم التالي آملين أن تظهر بوادر لعمليّة صحيّة مماثلة في مشافي سوريا.
الآليّة:
قد تُجرى هذه الفحوص في عديد من المستشفيات وعيادات الأطبّاء، إلّا أنّ فحصاً كاملاً لحديثي الولادة لا يمكن أن يُجرى إلّا في مخابر الصحّة العامّة حيث يتوفّر التقنيوّن والأطبّاء ذوو الخبرة العالية والتجهيزات المتطوّرة، ويكمن الهدف من كلّ ذلك في حماية كلّ طفل في البلاد.
لفهم آليّة هذا الفحص سندخل قسم فحص حديثي الولادة في مخبر فيرجينيا، والذي يحوي منطقة قياس طيف الكتلة ومنطقة لمعالجة البيانات.
يبدأ فحص حديثي الولادة بينما يكون أغلب الناس نائمين، يتمّ جمع العيّنات من مختلف مستشفيات فيرجينيا (وحتّى من المنازل في حالات الولادة المنزليّة)، ويسيّرونها بنظامٍ بحيث يصل أكبر عددٍ من العيّنات بحلول الصباح، هذا وقد يصل عدد العينات المفحوصة في اليوم الواحد إلى 1000 عيّنة!.
تنظّم بيانات العيّنات الواصلة في ظروف خاصّة، تُفتح هذه الظروف وتُجمع بطاقات عليها أوراق الترشيح التي تحمل العيّنات على شكل بقع من الدم المجفّف، وتُربط بأرقام خاصّة لكلّ طفل وذلك لحماية الخصوصيّة، بحيث يبدأ من هنا تشكيل معلومات الطفل الصحيّة في قواعد بيانات مخبريّة خاصّة.
في المخبر، تقوم تجهيزات آليّة مؤتمتة بقصّ العيّنات من أوراق الترشيح على شكل أقراص. وتُعالج هذه الأقراص بطرق مختلفة اعتماداً على الاختبار المنشود. يستطيع مخبر فيرجينيا كشف 28 حالة مختلفة من خلال عيّنات الدم المجفّف، إذ توضع هذه العينات على صفيحة معايرة دقيقة microtiter "تحوي أحواضاً صغيرة الحجم لإجراء الاختبارات" وتُملأ بكواشف مختلفة، هذه الكواشف هي مركباتٌ تتفاعل مع العيّنة معطيةً نتائج تفيد في تشخيص الاختلال.
في أمكنةٍ أخرى من المخبر يقوم عمّال مختلفون بإدخال البيانات إلى الأنظمة المحوسبة، ويقوم آخرون بإجراء فحوصٍ لأمراض الغدد الصمّ والهيموغلوبين...
بعض الفحوص تتمّ بآليّة قياس طيف الكتلة الترادفيّ (tandem mass spectrometry) وبعضها الآخر يُرسل إلى المخبر الجزيئيّ من أجل الفحوص على مستوى الDNA.
في حال ظهرت أيّ نتيجة شاذّة في أيّ اختبار من الاختبارات، يتّصل عمّال المخبر مباشرة بدائرة الصحّة في الولاية حيث يوجد ممرّضات متخصّصات بمتابعة الأمر من خلال الاتصال باختصاصيّين وأطبّاء أطفال في فيرجينيا، وتتابع الممرّضات الحالة حتّى يتم تشخيص الطفل أو يُصبح عمره 6 أشهر.
وكما نرى، فإن مشروع فحص حديثي الولادة لا يتوقّف عند الفحص المخبريّ، إنما يمتد ليشمل كامل حياة الطفل من تشخيص ومساعدة وعلاج، أو على الأقل في إيجاد نمط الحياة الذي يحفظ للمريض صحّته وحياته طبيعيّة.
الآمال في سوريا...
للأسف، لايوجد في سوريا فحص روتينيّ وكامل متل هذا الفحص للمولودين حديثاً في أيّ مشفى من مشافي القطر، وعلى الرّغم من البوادر القليلة لهذا النوع من الفحوص الرّوتينية والتي قد تكون معدومة في سوريا.
إلّا أنّ تجربةً لفحص قصور الدّرق بين 2009-2012 في قسم الأطفال بمستشفى الأسد الجامعي في اللاذقية عند المولودين حديثاً، وسوف نجهّز عنها مقالاً قريباً...
المصادر: هنا