البيولوجيا والتطوّر > التطور
هل يمكن للتطور أن يحصل بسرعة؟؟
غالباً ما تمتلئ ليالي الصيف في المناطق الريفية بصخب محبب, إنه نداء ذكر الجدجد (صرصار الليل) لأنثاه بغرض التزاوج.
ترسم بعض القصص المصورة الجدجد مستعيناً بكمان ليصدر هذه الأصوات. في الحقيقة, إنه يستعمل آلية تعتمد على نفس المبدأ تقريباً, حيث يحكّ السطح الخشن لجناحيه ببعضهما ليصدر ذلك الصرير الذي تعشقه أنثى الجدجد (تنجح خدعة الموسيقى حتى مع النساء).
تصيب بعض أفراد الجدجد طفرة معينة في جيناتها تؤدي الى ولادتها بأجنحة ملساء لا تصدر أي صوت عند احتكاكها. تعتبر هذه الطفرة أمراَ سيئاً في الحالات العادية، حيث أن للأفراد المصابين بها حظوظاَ قليلة في التزاوج, وهكذا تتراجع أيضاً فرصة نقل الطفرة للأبناء وتنتهي سريعاَ بموت حملتها دون تركهم نسلاً كافياً يحفظ استمرايتها.
كانت الجداجد تعيش حياة هانئة على جزيرة كاواي التي هي جزء من أرخبيل هاواي (محظوظة)، إلى أن وصلت إلى الجزيرة إحدى سلالات الذباب من أمريكا الشمالية. تضع هذه الذبابات بيوضها على جسد الجدجد وعندما تفقس يرقاتها تقتل الجدجد وتتغذى عليه. يستعين الذباب بغناء الجداجد للعثور عليها, فإصدار الجدجد للأصوات يكشف موقعه وينتهي محمّلاً ببيض الذباب القاتل.
بدأ العلماء بدراسة هذا الصراع بين الجدجد والذباب. الجدجد واقع بين نارين, فهو إن بدأ الغناء عرّض نفسه للموت من قبل الذبابة, وان ظل صامتاً خسر فرصة كبيرة للعثور على شريك. بدأت أعداد الجداجد بالتناقص بشكل مضطرد على الجزيرة, وأشارت بعض الدراسات الى أن حوالي 30% من الجداجد المغنية مصابة ببيض الذباب القاتل.
كذلك بدأت أصوات الليل تخفت على الجزيرة الى أن حل الصمت في عام 2001. ظن العلماء أن الصراع انتهى بانتصار الذباب, إلى أن انجلت الحقيقة. لقد ارتفعت أعداد الجدجد في الجزيرة إلى معدلاتها ما قبل وصول الذباب, ولكن الصمت لا يزال مطبقاً فماذا جرى؟
بعد بحث مستفيض حل العلماء خيوط اللغز: لقد فقدت الجداجد قدرتها على الغناء! فقد ظهرت الطفرة التي تحدثنا عنها (الأجنحة الملساء) على الجزيرة. هذه المرة كان للطفرة أثر ايجابي على الأفراد التي تحملها: فالذكور الصامتة غير مهددة من قبل الذباب وبالتالي تحمل فرصاً أكبر من الجداجد المغنية في ترك نسل يحمل صفاتها. سوف تحمل الأفراد الجدد طفرة آبائها وبالتالي سوف يزداد تعدادها ضمن المجموعة خصوصاً مع تراجع عدد الأفراد المغنية ونسلها نتيجة تهديد الذباب. هكذا تحولت كل الجداجد على الجزيرة في فترة لا تتجاوز 10 سنوات ( ما يعادل حوالي عشرين جيلاً للجدجد) الى جداجد صامتة.
تظهر هذه الحالة حدوث التطور بشكل واضح وسريع لا ينسجم مع توقعاتنا. فالتطور, كما نعرفه, تتطلب رؤية آثاره أزمنة جيولوجية من ملايين السنين. إن هذه الحالة هي تجسيد صريح لقدرة (الانتقاء الطبيعي) على إحداث تغييرات جذرية في بنية وسلوك الأفراد في فترات قصيرة جداً, وذلك عند توافر ضغوط تطورية عالية تضع الكائن الحي أمام خيارين: إما التلاؤم معها أو الفناء.
بتصرف عن: هنا
الصورة: هنا
quiet_cricket