المعلوماتية > عام
رقاقة مستوحاة من الدماغ البشري
لطالما كانت أجهزة الحواسيب المستوحاة من الدماغ البشري حلمًا وهاجسًا لكثيرٍ من الناس منذ ظهور أفلام الخيال العلمي، وتحديدًا في مشهدٍ من الجزء الثاني لفيلم << المبيد 2 - يوم الحساب أو Terminator 2: Judgment Day >> يظهر فيه الممثل آرنولد شوارزنيجر بدور رجلٍ آلي قائلًا:
’’المعالج الخاص بي هو معالجٌ شبكيٌ عصبي؛ حاسبٌ يستطيع التعلّم.’’
واليوم تكشف شركة IBM عن رقاقة حاسوبٍ جديدة تعتبر قفزةً نوعيةً تفسح من خلالها نشوء عهدٍ جديدٍ للحوسبة، ابتداءً من السيارات ذاتية القيادة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكن تثبيتها على الهواتف الذكية، وقد تنير الطريق للشبكات العصبية لتصل يومًا ما إلى القدرات الحوسبية لدماغ الإنسان البشري.
هذا الإنجاز الكبير جاء تتويجًا لمشروعها (SyNAPSE ) الذي دام ست أعوامٍ في مركز أبحاث IBM، بدعمٍ مالي ضخم من وكالة الدفاع الأمريكية للمشاريع البحثية المتطورة (DARPA)، ووفقًا لقول الباحثين فإنّه مستوحى من القشرة الدماغية للإنسان.
أطلق الباحثون اسم <
ووصف Modha – كبير الباحثين ومؤسس مجموعة الحوسبة الإدراكية في شركة IBM- هذا الإنجاز قائلًا:
’إنّه وبكل معنى الكلمة حاسوبٌ فائق بحجم طابعٍ بريدي، خفيف كالريش، ومنخفض الطاقة كجهاز المساعد السمعي’’
ربّما الأهم من كل ما سبق هو أنّ TrueNorth فـعـّـالةٌ بشكل لا يصدّق!
حيث أنّها تستهلك 72 ميللي واط فقط (أي أقل من متوسط استهلاك لمبة تشع ضوءً ساطعًا)، وذلك للحمولة القصوى المحددة، ما يعادل 400 مليار عملية مشبكية لكل واط في الثانية الواحدة، أو ما يعادل 17600 مرة أكثر فاعليـّـة من عمل وحدة معالجةٍ مركزية (CPU) حديثة تدير حجم العمل المحاكي للدماغ نفسه.
إحدى الأسباب التي جعلت IBM قادرةً على تقليل استهلاك الطاقة لهذه الرقاقة أنّه يتمّ تشغيل الحسابات عند الحاجة فقط، لأنّ الخلايا العصبية الرقمية في هذه الرقاقة تعمل معًا بشكلٍ متزامن عندما يتمّ تشغيلها بواسطة إشارة، في حين أنّ رقاقات الحواسيب التقليدية لديها ساعةٌ تستخدم الطاقة لتشغيل وتنسيق العمليات الحسابية. كما أنّها قامت بإنشاء شبكة اتصال on-chip لربط جميع أنوية الوصلات العصبية، وبناء الرقاقة بتقنية الطاقة المنخفضة المستخدمة في صناعة الهواتف المحمولة.
الرقاقة الجديدة كما تتصورها IBM، يمكن من خلال عملها مع أجهزة الحوسبة التقليدية كآلاتٍ هجينة، تقديم جرعة إضافية من إمكانات الذكاء لأجهزة استشعار السيارات الذكية، أو لتطبيقات الحوسبة السحابية، أو للأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية.
فعلى سبيل المثال، قد تُـمَـكّـن مثل هذه القدرة تطبيقات الهاتف المحمول الجديدة من معالجة المعلومات حول الأحداث الجديدة أو التغييرات الأخرى التي تحدث في بيئات العالم الحقيقي على وجه السرعة، سواءً كان ذلك يتضمن: التعرّف على الروائح، أو الأصوات المألوفة، أو على وجهٍ محدد بين حشدٍ من الناس دون الحاجة للاتصال بالشبكة. أيضًا قد تمكّن السيارات الذاتية القيادة من اكتشاف المشكلات والتعامل معها حتى في حال انقطاع اتصال البيانات.
كما ذكر باحثو IBM أنّ جامعة كورنيل التقنية والجهات المتعاونة من مختلف أنحاء العالم قد اتخذوا نهجـًـا جديدًا كليـًـا في التصميم مقارنة مع هندسة الحاسوب السابقة مُـتَّـجـهين نحو ما يسـمّـى بـ “الحوسبة الإدراكية”.
ووضّح Modha قائلًا:
’’ لم نبني دماغًا، لكنّنا أصبحنا الأقرب لإنشاء وظيفة التعلم ووضعها في شريحة سيليكون بطريقةٍ قابلة للتوسع لتوفير قدرةٍ حوسبيةٍ جديدة لم تكن ممكنةً من قبل.’’
من أهم المشاكل التي واجهت الباحثين في تطوير رقاقةٍ جديدة تعتمد على معماريةٍ حديثة أنّه يجب عليك إنشاء أدوات تطوير وبرمجيات خاصة يمكنها الاستفادة بفعالية من الكمّ الهائل من الأنوية والوصلات العصبية تلك. لذا قامت IBM ببناء نظامٍ بيئيٍ كامل حول أجهزة وبرمجيات رقاقتها الجديدة، بما في ذلك لغة برمجة جديدة تدعى (Corelet) ومحاكيًا يدعى (Compass) لبرمجة واختبار برامجك قبل تشغيلها على الرقاقة، بالإضافة إلى إنشاء منهاجٍ دراسي لتعليم المبرمجين كل ما قد يحتاجون لمعرفته.
كما تقوم الآن IBM بالوصول إلى العملاء المُـحتملين، والجامعات، والوكالات الحكومية، وموظفي الشركة أيضًا في سبيل استكشاف التطبيقات التجارية لتقنية الرقاقة الجديدة.
كما وضح Modha بقوله:
“هدفنا النهائي وعلى المدى البعيد هو بناء “دماغٍ في صندوق” بمئة مليار وصلة عصبية وباستهلاك كيلو واط واحد فقط من الطاقة، أمّا في المستقبل القريب، سوف نبحث في أشياءٍ متعددة لتمكين هذه التقنية الجديدة في الهواتف المحمولة، والأجهزة الذكية، والخدمات السحابية”
الشبكات العصبية مذهلةٌ جدًا إلا أنّها سابقًا كانت تعمل بشكلٍ كبير على مجموعاتٍ غير فعّالة من أجهزة الحواسيب التقليدية، لكن كل هذا قد ولّى الآن مع معمارية TrueNorth المتطورة من شركة IBM، ومستقبلٍ يحمل في طياته الكثير...
يمكنكم الاطلاع على البحث الذي تمّ نشره في مجلة <
“A million spiking-neuron integrated circuit with a scalable communication network and interface”
هل تعتقد أنّنا سنحيا لنرى آلةً (أو رجلًا آليا) بمعالج يتفوق على دماغ الإنسان في المستقبل؟ وهل يمكن أن يحصل هذا قبل مرور عام 2025 كما يتوقع راي كورز ويل؟
ما الذي يمكن أن يحدث وقتها؟
شاركونا بآرائكم...
المصادر :
مصدر الصورة : هنا
انفوغراف: