الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء
كيفت انتشرت الطيور التي لا تطير حول العالم؟
تتميز الطيور التابعة للنعاميات Ratites عن غيرها ليس بعدم المقدرة على الطيران وحسب وإنما بشكل ترتيب العظام في رؤوسها. تتضمن النعاميات الموجودة على قيد الحياة بعض الأنواع كالكاسواري cassowaries الموجود في أستراليا وغينيا الجديدة. والـ Rheas في أمريكا الجنوبية وأيضاً العملاق المدعو " موا" Moa الذي عاش في نيوزلندا إلى ما قبل الـ 600 عام. طـُـرحت النعاميات لأكثر من قرن كلغز بيولوجي، فكيف لمجموعة من الطيور التي لا تطير أن تكون متناثرة بين القاصي والداني في جميع أنحاء نصف الكرة الأرضية الجنوبي.
اقترح في 1970 أن السبب هو الانجراف القاري قبل 200 مليون سنة حيث كانت اليابسة الجنوبية بأكملها جزءاً من قارة عملاقة واحدة معروفة باسم غندوانا Gondwana اقتطعت على مدى ملايين السنين وجنحت بعيداً. حـُملت تلك القطع بعيداً مع طيور النعاميات التي عاشت عليها. أشار صاحب هذا الطرح إلى حصوله على أدلة لتوقيت تفكك غندوانا فقد كانت أفريقيا أول ما انفصل بعيداً، بدليل أن النعام الإفريقي المعروف من بين النعاميات هو النسب الأول المنشق عن النعاميات الأخرى.
لكن مهلاً فقد حدث مؤخراً ما دفع العلماء للتفكير بفرضية أخرى أثناء دراستهم لطائر الفيل elephant bird لذا دعونا نتعرف عليه.
قبل بضعة قرون كانت مدغشقر موطناً لمخلوق وحشي دُعي بطير الفيل. يبلغ ارتفاعه 2.7 متر ويزن 270 كلغ وهو أثقل الطيور المعروفة للعلم وتعادل حجم بيضته حجم 160 بيضة دجاجة. لا يملك جناحين بطبيعة الحال فهي عديمة الفائدة كما أن ذراعيه مضمحلة وبدلاً من الطيران، يبقي رأسه متجهاً إلى أسفل معظم الأوقات. ليس وقت انقراض هذا الطائر مؤكداً للعلماء بالضبط ولكن من المرجح أن ذلك حدث في العصر الذي هيمن فيه الإنسان على الكوكب.
بالعودة إلى موضوعنا، أدت مقارنة الحمض النووي في 2008 لللموا Moa بتلك التابعة لنعاميات أخرى إلى تحديد القريب الأقرب للموا حيث كان نوعاً من الطيور المحلقة الصغيرة من أمريكا الوسطى والجنوبية المدعوة بـ تينامو Tinamou. دفع ذلك العلماء للبحث عن قريب طير الفيل أيضاً ومع أن أولى المحاولات كانت فاشلة إلا أن تكنولوجيا استرجاع الحمض النووي القديم أصبحت أقوى بكثير، وبات بالإمكان استعادة صغائر الكميات من هذا الحمض وعليه فقد طبقت على مستحاثات عظام طير الفيل.
النتيجة كانت أن طائر الكيوي Kiwi هو قريب طير الفيل وأمكن تقدير الزمن الذي امتلكا عنده نسباً مشتركاً عن طريق عد الطفرات التي تراكمت في الحمض النووي لكليهما. يقدر العلماء أن أسلافهما عاشت قبل 50 مليون عام.
لهذا التاريخ دلالة هامة فقبل 50 مليون عام كانت مدغشقر (موطن طير الفيل) ونيوزيلندا (موطن الكيوي) منفصلتان عن بعضهما بالمحيط وهذا يطرح مشكلة كبيرة للنظرية التي ذكرناها عن أن النعاميات كانت غير قادرة على الطيران منذ أيام غندوانا وانتشرت مع انفصال وتفتت اليابسة.
النتيجة المنطقية بأنه لا وسيلة أخرى لانتقال الطيور من مدغشقر لنيوزيلندا سوى بالطيران وعليه فقد اقترحت الفرضية التالية كبديل عن طيران النعاميات: كان السلف المشترك لطير الفيل والكيوي مثيلاً بطائر الحجل Partridge الذي كان بإمكانه السفر جواً في الفترة ما قبل 65 و50 مليون سنة حيث حلقت في أرجاء العالم ووجدت أماكن جيدة للاستقرار. كانت هذه الأسلاف محظوظة فقد كانت الديناصورات الكبيرة آكلة الأعشاب تنقرض وأتيح لها بضعة ملايين من السنين قبل أن تأخذ الثدييات الكبيرة آكلة النبات مكانها. تطورت النعاميات في ما لا يقل عن 6 أشكال تطورية فاقدةً أجنحتها و أصبحت آكلة للنبات.
لا وجود لأدلة كافية حتى الآن لدعم هذا الاقتراح... لكنها تبقى فكرة منمقة تعتمد إلى حد كبير على التكهنات، وبما أن الكشف عن DNA الطيور المنقرضة والموجودة حالياً لا يزال قائماً فلن يبقى اللغز لغزاً لفترة طويلة.
المصدر