الموسيقا > عظماء الموسيقا
باغانيني ... ساحر الكمان
قالوا قد مسّه الشيطان، أنَّ موسيقاه ليست من صنع البشر، موهبته نشرت الخوف؛ فالعازف الذي يقف أمامهم ليس من طينتهم، أو هكذا ظنّوا.. هذه ليست مبالغة، فباغانيني أذهل كل من رآه بفضل أصابعه السحرية وإتقانه التام للكمان بالإضافة لشخصيته الغامضة... كما أنَّ سمعته قد وصلت إلى أقصى حدود أوروبا.
حياته:
ولد نيكولو باغانيني عام 1782 في مدينة جنوة في ايطاليا، وكان الثالثَ من بين 6 أولاد، والده أنطونيو كان تاجراً غيرَ ناجحٍ، ولكنه كان يؤمن مصدر عيشه عبر العزف على المندولين.
بدأ باغانيني العزف على المندولين عندما كان عمره خمس سنوات وخلال سنتين انتقل إلى الكمان، وسريعاً ما ظهرت مواهبه الموسيقية، فوالده كان يجبره على التدرب 12 ساعة يومياً وعند خطأه كان يحرمه من الطعام والشراب. كما أنه تعلَّم على أيدي الكثير من العازفين والأساتذة، ولكن مهاراته سريعاً ما تجاوزت قدراتهم حيث ألف أول سوناتا له بعمر الثمان سنوات، فانتقل بعدها مع والده إلى بارما بحثاً عن المزيد من الأساتذة.
بعد غزو الفرنسيين لشمال ايطاليا عام 1796 هاجر باغانيني واستقر مع والده في ليفورنو حيث شارك باغانيني في الحفلات الموسيقية، وفي عام 1801 عُين كعازف الكمان الأول لولاية لوكا وكان عمره حينها 18 عاماً فقط، ولكن معظم دخله كان يأتي من عمله المستقل، وشهرته كعازف كمان لم يضاهيها شيء إلّا بسمعته كمقامر وزير نساء.
بين عامي 1807-1809 أعطى باغانيني دروس خاصة ل "Felice" زوج "Elisa Baciocchi" أخت نابليون والتي كانت وقتها دوقة تسكونا. ومع نهاية عام 1809 ترك باغانيني الدوقة ليتابع أعماله المستقلة.
وخلال السنوات القليلة التالية قام باغانيني بجولات في المناطق المحيطة بجنوة وبارما، ورغم شهرته الكبيرة بين الجماهير المحلية إلّا أنّ اسمه لم يصل إلى أوروبا حينها، أول فرصة لشهر نفسه كانت عام 1813 حين قدم عرضاً على مسرح لاسكالا في ميلانو، حَظِيَ الحفل بنجاح كبير ونتيجة لذلك بدأ باغانيني بجذب انتباه موسيقيين آخرين بارزين في أوروبا وإن كانوا أكثر تحفظاً، كُلُّ هذا مهَّدَ المجال لخلق تنافس محموم بينه وبين بعض العازفين مثل Charles PhillipeLafont وLouis Spohr ولكن نشاطه بالحفلات الموسيقية كان محدوداً ضمن ايطاليا للسنوات القليلة التالية.
ولم ينتشر اسم باغانيني في أوروبا حتى بلغ من العمر 45 عاماً من خلال جولة قام بها في آب 1828 بدأت من فيينا وقيل أن الجمهور الفينيسي أُصيب بذهولِ شديدِ لدرجة انه حصل على الفور على ميدالية القديس سلفاتور، ولُقِبَ بمبدع القاعة. ثم تابع جولته ومرّ من كل المدن الأوروبية الكبيرة في كل من ألمانيا وبولندا وبوهيميا (التشيك حالياً) واستمرت حتى شباط 1831 حيث انتهت في سالزبورغ. ثُمَّ تلى هذه الجولة جولات أخرى قام بها في بريطانيا وفرنسا، ففي باريس أيضاً قيل أن الجمهور قد تأثر لدرجة كبيرة بأسلوبه الخارق ومظهره الشاحب الغير دنيوي وأن الفوضى اندلعت في القاعة الموسيقية.
إن قدرات باغانيني الفنية والتكنيكية جعلته يتلقى الكثير من الإشادة من نقاده، فبالإضافة لتأليفاته الخاصة كان باغانيني يعزف أعمال عدلها بنفسه (معظمها كونشيرتو) لمؤلفين عاصروه مثل Rodolphe Kreutzer وGiovanni Battista Viotti.
رغم كثرة علاقات باغانيني مع النساء إلّا أنه ارتبط بعلاقة جدية مع المغنية Antonia Bianchi الذي التقاها عام 1813 في ميلانو وأدوا سويةً في الحفلات وأنجبا طفلاً اسمه Achilles عام 1825.
خلال حياته أصبح باغانيني صديقاً مقرباً لكل من المؤلفين روسيني وبيرليوز، كما أنه عانى خلال حياته من أمراض مزمنة، ورغم عدم وجود دليل طبي مثبت، كان يُعتَقَد أن باغانيني يعاني من متلازمة مارفان (مرض وراثي يصيب الأنسجة الضامة)، بالإضافة إلى نمط حياته المليء بالترف وجدول حفلاته الممتلئ أخذت بعاتقها على حياته، وقد عرف عنه بأنه مقامر وحتى في إحدى المرّات وضع كمانه كرهن! و تم تشخيصه بالزهري منذ عام 1822 والعلاج الذي اعتمده (الزئبق والأفيون) جاء مع اختلاطات جسدية ونفسية خطيرة. وفي عام 1834 وأثناء تواجده في باريس كان يعالج من مرض السل، ورغم أن شفاءه كان سريعاً نوعاً ما، إلّا أن حفلاته كانت تقابل بالكثير من التأجيل أو الإلغاء نظراً لمشاكله الصحية والتي امتدت من الرشح حتى الإكتئاب العميق والتي استمرت من أيام حتى شهور.
في عام 1834 أنهى باغانيني حياته كمقدم حفلات وعاد إلى جنوة و ركز على إشهار تأليفاته وأساليب عزفه، وكان يقبل بإعطاء الدروس واثنين من طلابه لاقوا نجاحاً كبيراً وهم CamilloSivori وGaetano Ciandelli ولكن كليهما لم يعتبروا باغانيني ملهماً لهم أو مصدر لنجاحهم.
عام 1835 عاد باغانيني إلى بارما وهذه المرة تحت توظيف من الأرشيدوقة Marie Louise زوجة نابليون الثانية وكان مسؤولاً عن إعادة تنظيم أوركسترا المحكمة ولكن واجه الكثير من المشاكل مع العازفين ورؤياه لم تكتمل. في باريس صادق باغانيني الموهوب البولندي Apollinaire de Kontski البالغ من العمر 11 عاماً فقط وأعطاه دروساً وشهادة موقعة، كما أنه ومن شدة إعجابه بعزف الفتى ومهاراته ترك له كماناته الخاصة ومخطوطاته.
عام 1836 عاد باغانيني إلى باريس لإنشاء كازينو خاص به، ولكن فشله المباشر أصابه بدمار اقتصادي فاضطر لبيع آلاته وأغراضه الشخصية لتعويض خسائره. عام 1838 غادر باريس إلى مرسيليا حيث بقيّ فيها فترة وجيزة قبل أن ينتقل إلى نيس حيث ازدادت حالته سوءاً، في أيار 1840 استدعى أسقف نيس كاهناً لقراءة الصلوات الأخيرة على باغانيني الأمر الذي رفضه باغانيني واعتبره سخيفاً.
توفي باغانيني بعد أسبوع في 27 أيار 1840 من جراء نزيف داخلي قبل أن يتمكن أحد من استدعاء كاهن، ولهذا السبب وبسبب إشاعات بعلاقته مع الشيطان رفضت الكنيسة إجراء دفن كاثوليكي له في جنوة، استغرق الأمر 4 سنوات ونداء إلى البابا قبل سماح الكنيسة أن يتم نقل جثمانه إلى جنوة ولكن لم يتم دفنه بعد. أخيراً تم دفنه عام 1876 في مقبرة في بارما. في عام 1881 أقنع العازف التشيكي František Ondříček حفيد باغانيني Atilla بإجراء فحص لجثمان باغانيني وبعد هذه الأحداث الغريبة تم وضع جثمانه في مقبرة جديدة في بارما وبشكل نهائي.
أسلوبه وموسيقاه:
ألف باغانيني موسيقاه ليعزفها بشكل حصري في حفلاته والتي ساهمت بشكل مؤثر في تطوير أسلوب الكمان.
ألف 24 كابريس “Caprice” و التي تعد من أهم أعماله خاصة Caprice no.24 in A minor في الفترة الممتدة بين 1805 إلى 1809 و أيضاً من ضمن هذه الفترة معظم المقطوعات المنفردة والثلاثيات والرباعيات للغيتار والسوناتا الثنائية، وأعمال الحجرة هذه ربما تلقت إبداعها من خماسيات الغيتار لبوتشيريني “Boccherini”.
وبشكل عام كانت مؤلفات باغانيني تخيلية وقد توسعت نتيجة ذلك مجموعة الأصوات التي أنتجها الكمان لتشمل أصوات حيوانات المَزَارِع! وحتى وبشكل فاضح أنتج أصوات "الحب" على كمانه!
وقد انتقدت أعماله بأنها تفتقر إلى خصائص تعدد النغمات وأعتقد أن هذا يعود إلى اعتماده على الغيتار في التأليف بدلاً من البيانو.
و قد اُعتبر باغانيني "الأب الروحي" للكثير من المؤلفين فبعض مقطوعاته خاصة La Campanella وCaprice no.24 in A minor كانا مثيرين للاهتمام لعدد من المؤلفين، Franz Liszt و Robert Schumann و Sergei Rachmaninoff وJohannes Brahms و غيرهم كثيرون كتبوا منوعات اعتماداً على هذين اللحنين.
أسلوب باغانيني اعتبره البعض بأنه ظاهرة أكثر من تطوير، معظم عزف باغانيني تأثر بالعازفين PietroLocatelli وAugust Duranowski .
و قد قيل مرة أنه استطاع العزف على وتر واحد بعد انقطاع الأوتار الثلاث الباقية على كمانه.
ميزة أخرى لعزف باغانيني هي مرونته، حيث كان يملك أصابع طويلة مكنته من عزف ثلاث أوكتافات على أربع أوتار خلال فترة زمنية واحدة والتي تعتبر حتى في أيامنا هذه إنجازاً استثنائياً، رجع البعض قدرته هذه لإصابته بمتلازمة مارفان، هذه القدرات جعلت الخرافات تنشأ عنه فقيل أن عزفه الخارق كان نتيجة مساعدة الشيطان بنفسه له.
نماذج من أهم اعماله:
Caprice no.24 in A minor:
La Campanella:
Violin Concerto no.1:
Violin Concerto no.2 (La Campanella):
Caprice no.5:
Caprice for solo violin in A minor (Theme & Variations):
Paganini Sonata for violin & guitar in E minor، Op. 3/6، MS 27/6:
Grand Sonata، for guitar & violin in A major:
Le Streghe:
المصادر: