الرياضيات > الرياضيات
مفارقة برتراند في الاحتمالات
هل نظرية الاحتمالات مشكوك بصحتها؟
وضعت هذه المفارقةُ علماءَ الرّياضياتِ في حيرةٍ من أمرهم فيما يتعلَّقُ بصحةِ علم الاحتمالات، إذ أدّت بكثيرٍ من العلماء إلى التّشكيكِ بمنطقِ هذا الفرعِ من الرّياضيات!
إنَّ نظريةَ الاحتمالاتِ سهلةُ الفهمِ والتّطبيق، وتُعدُّ من العلومِ الواضحةِ للرّياضيّين، وقد واجهت العديدَ من الصّعوباتِ والمشاكلِ منذ بداياتها، فانطلاقاً من تعريفها، و الاتّفاق على مبادئها، وحتّى تطبيقاتها، لم تخلُ من المشاكل الّتي تعرقل تقدمها.
بأبسطِ أشكالها، يمكننا وصفُ نظريةِ الاحتمالات بأنّها توقّعُ حدوثِ حدثٍ "عشوائيٍّ" ما بنسبةٍ ما نسميها "احتمال هذا الحدث". فمثلاً، إن كان لدينا صندوقٌ يحوي 10 كراتٍ مثماثلةٍ، نصفُها ذات لونٍ أسودٍ و الباقي ذاتُ لون أبيض، و سحبنا كرةً منه بشكلٍ عشوائيٍّ (أي دون النّظر إلى ما داخل الصّندوقِ، أو دونَ تعمُّدِ سحبِ كرةٍ معيّنةٍ مثلاً)، فإنَّ احتمال أن تكون الكرةُ المسحوبةُ ذات لونٍ أسودٍ هو النّصف. قد يبدو هذا المثالُ بسيطاً، ولكنّه من النّاحيةِ الرّياضيّةِ والتّاريخيّة أعقدُ من أن يُشرح ببضعةِ سطور!
فمثلاً، ماذا لو كان الصّندوق يحوي عدداً غير منتهٍ من الكرات؟ ماذا لو كانت الكراتُ ذاتُ أوزانٍ وأحجامٍ مختلفة؟
و السّؤال الأهمُّ: ماذا لو كانت طريقةُ السّحبِ العشوائيِّ مختلفة؟
هل تعتقد عزيزي القارئ أن طريقة الاختيار العشوائيِّ تؤثّرُ على نتيجةِ احتمالِ حدوثِ حدثٍ معيّنٍ؟
إن كان جوابك "كلا" فإليك الخبر التّالي:
مفارقة برتراند تقول عكسَ ذلك!
فلننظر إلى المسألةِ التّاليةِ الّتي كوّنت أساس َهذه المفارقةِ:
فلنفرض أنَّ لدينا دائرةً تمرُّ برؤوسِ مثلّثٍ متساوي الأضلاع. إذا رسمنا وتراً في هذه الدّائرة، ما احتماليّةُ أن يكون طولُ هذا الوترِ أكبرَ من طولِ ضلعِ المثلث المرسوم؟
قبل أن نعرض الحل، سنفاجئك بالنّتيجة:لهذا السّؤال ثلاث أجوبةٍ مختلفةٍ وجميعها صحيحة!
كيف ذلك؟ لنرَ أفكار الحلول الثّلاثة:
فكرة الحلِّ الأوّل:
- علينا أن نختار بشكلٍ عشوائيٍّ نقطتين على محيط الدّائرة، و الشَّيء المهمُّ الوحيدُ هنا هو موقع النّقطةِ الثّانيةِ بالنّسبة للنقطةِ الأولى. بمعنىً آخر، موقعُ النّقطةِ الأولى ليس له تأثيرٌ على النّتيجة، لذلك دعنا نثبّت النّقطةَ A ونركّزُ فقط على الوتر المنبثقِ من هذه النّقطة. نجد أنّه من الواضحِ أن 1/3 الأوتارِ سوف تعطي طولَ وترٍ أطول من طولِ ضلع المثلّث. مع ملاحظة أنّه حتّى لو لم نثبّت النّقطة الأولى ورسمنا الوتر بالوصلِ بين نقطتين اختيرتا عشوائيّاً فسنحصل على نفس النّتيجةِ (بالتّجريب على برامج المحاكاة).
فكرة الحلِّ الثّاني:
- الوتر يمكن أن يحدّد بشكلٍ كاملٍ من نقطةٍ مركزه. الأوتار الّتي يتجاوز طولها طول ضلع المثلّثِ المذكور سيكون لها نقاط مركزيّةٌ داخلَ الدّائرةِ الصغيرةِ الّتي قطرها يساوي نصف قطر الدّائرة الأصل، و من حيث مساحتها فإنّها تساوي ربعَ مساحةِ الدّائرة ِالكبيرةِ وهذا ما يحدِّد قيمةَ الاحتمالِ المطلوب وهي 1/4.
فكرة الحلِّ الثَّالث:
الوتر يحدّد كاملاً من نقطة المنتصف، والأوتار الّتي طولها يتجاوز طولَ ضلعِ المثلّث هي الأوتارُ الّتي مركزها أقربُ إلى مركزِ الدّائرةِ من ربع قطرِ الدّائرة، فإذا وزِّعت مراكز الأوتار بشكلٍ عشوائيٍّ على أنصافِ الأقطارِ بدلاً من المساحةِ كما في الحلِّ الثّاني ستكونُ قيمة الاحتمالِ هنا مساويةً لـ1/2.
مكّننا القيام بعملياتِ محاكاةٍِ للحلول الثّلاثة من التّأكُّدِ من صحّتها، كلُّ محاكاةٍ تقوم برسمِ عددٍ كبيرٍ من الأوتارِ بإحدى الطّرقِ الموصوفةِ بالحلول الثّلاثةِ السّابقةِ، ثمَّ حسابُ نسبة عددِ الأوتارِ الّتي تجاوز طولها طولُ ضلعِ المثلّثِ على عددِ الأوتارِ المرسومةِ الكليِّ. وهذه صور ٌمن عمليّاتِ المحاكاةِ الّتي جُرِّبت للحلولِ الثّلاثة :
نتائج تجريب الحلِّ الأوّل:
النّتيجة هي 1/3
نتائج تجريب الحلِّ الثّاني:
النّتيجة هي 2/1
نتائج تجريب الحلِّ الثّالث:
النّتيجة هي 4/1
مع أنَّ الهدفَ واحدٌّ، إلا أنَّ النَّتائج مختلفةٌ بشكلٍ كبيرٍ. هذا ما أثار جدلاً كبيراً بين علماء الاحتمال، وهو ما أدّى إلى تغييرٍ جذريٍِّ في فهمنا لمفهوم الـ"عشوائيّة". كيف يَُعقل أن تكون هذه النّتائجُ مختلفة!
والآن عزيزي القارئ.. هل بدأت تشكُّ في منطقِ علم الاحتمال؟!
المصدر :
مصادر أخرى :
Bertrand's Paradox (TANTON Mathematics) – YouTube