الطب > السرطان

الجراثيم تسبب تقلص الأورام السرطانية

هل يمكن أن نتصور بأنّ الخلايا الورمية عشوائية التكاثر قد تكون ضعيفة أمام بعض أنواع البكتيريا؟ وهل يمكن في يومٍ ما استبدال جرعات العلاج الكيميائي للأورام بجرعات من العلاج الجرثومي، أو بجرعات من العلاج الجرثومي وتدعيمه بالعلاج الشعاعي !؟

بدأت القصة قبل حوالي 200 سنة عندما لاحظ بعض الأطباء بأن الإنتانات الجرثومية (البكتيرية) أدّت في بعض الأحيان إلى الحد من زيادة حجم الورم أو حتى القضاء عليه. ومن هنا قام الجرّاح William Coley بالمحاولة الأولى عندما حقن مرضى الأورام بأحد أنواع الجراثيم الحية التي تسمى المكورات العقدية Streptococcus، لكن هذه الطريقة تسبّبت بوفاة مريضين بهذه البكتيريا. ومن هنا أعاد محاولته ولكن هذه المرة باستخدام الجراثيم الميتة. وتمكن بذلك من تحسين حياة الكثيرين، إلا أن هذه التجارب بقيت في دفاتر الماضي نظرًا لظهور العلاجات الجراحية والكيميائية والشعاعية للأورام.

حديثًا تسري بعض الدراسات لتحديد مدى فعالية العلاج الجرثومي للأورام. كمثال على ذلك، تبيّنَ بأن علاج الورم بجرثومة السلمونيلا المضعَّفة Salmonella أظهر تأثيرًا محدودًا على الورم، ولكنّه لم يؤذِ المريض.

من جهة أخرى فإن جراثيم المطْثِيّة النوڤية (الكلوستريديوم) Clostridium novyi التي تفضّل الأوساط الخلوية الفقيرة بالأوكسجين، كما هو الحال في الخلايا السرطانية، تتكاثر وتفرز أنزيماتٍ قادرة على قتل خلايا الورم.

وقد جرَت تجربة جراثيم الكلوستريديوم على الكلاب، حيث قام العلماء بحقن 16 كلبًا بالجراثيم، ولاحظوا بأنّ الورم قد تضاءل بالحجم أو اختفى عند 6 من الكلاب، وتوقّف عن النمو عند 5 كلاب أخرى. نظرًا لتشابه الأورام عند الكلاب مع الأورام عند الإنسان، انطلقت المحاولة المثيرة عند الإنسان عندما تم حقن النقائل الورمية metastases الموجودة في الكتف الأيمن عند امرأة مصابة بسرطان في البطن، تم حقنها ب 1% فقط من الجرعة المعطاة لكلاب التجربة السابقة. وكانت النتيجة بأن الجراثيم تمكنت من تقليص حجم هذه النقائل*.

ما يثير الإعجاب حقيقةً هو أن الجراثيم ليست قادرة فقط على إضعاف نمو الخلايا الورمية وإنما تلعب دورًا في تحفيز جهاز المناعة، وسِمةُ هذه الجراثيم تتمثل بقدرتها على العمل بشكل فعال في الأوساط الخلوية الفقيرة بالأوكسجين والتي توفرها الخلايا الورمية، لتلعب بذلك دورًا إيجابيًا وهامًّا في استهداف الخلايا الورمية مباشرة والمحافظة على الخلايا السليمة عند الانسان**.

لا تزال الدراسات المتعلقة بالعلاج الجرثومي للأورام في بدايتها، ولا يمكننا أن نطلق جرعات من التفاؤل والأمل وندّعي بأننا وجدنا العلاج كما ينتشر غالبًا في مواقع مختلفة. فالأورام متعددة ومتنوعة ومن الصعب جدًا إيجاد العلاج الذي يُنهي حياة الخلايا الورمية على اختلاف أنواعها وخصائصها.

الهوامش:

*(النقائل هي عبارة عن خلايا ورمية هجرت الكتلة الورمية الأصلية أو الأولية وانتقلت إلى أماكن أخرى في الجسم لتتكاثر هناك عشوائيًّا، وما يسبب الوفاة عند المريض غالبًا هو النقائل المتعددة أكثر من الورم الأصلي بحدّ ذاته).

**( بشكل مخالف للعلاجات الكيميائية والشعاعية التي تؤثر على الخلايا الورمية والسليمة معًا).

المصدر: هنا