الهندسة والآليات > الروبوتات
أسراب الروبوتات ذات التجميع الذاتي
هناك سحر عندما تشاهد ألف روبوت يتحركون بشكل تلقائي وبدون مساعدة أو تحكم بشري.
أبحاث جديدة نشرت في مجلة Science العالمية تحدثت عن إنجاز جديد قام به باحثون استطاعوا إنشاء هكذا روبوتات، حيث قاموا بتشكيل 1000 روبوت يمكنها تجميع نفسها ضمن أشكال معقدة بدون الحاجة لدماغ الكتروني مركزي أو حتى للتحكم من قبل البشر.
هذا النمط من إعادة التشكيل الذاتي موجود في الطبيعة، من الجزئيات التي تشكل الكريستال، مروراً بالخلايا التي تشكل الأنسجة وليس انتهاءاً بالنمل الذي يبني بيوتاً من الخشب تطفو على الماء و بأسراب الطيور التي تجتمع لتحمي نفسها من الافتراس.
هذه التشكيلات المعقدة تنشأ من التفاعلات بين آلاف وملايين وحتى مليارات من
الوحدات المحدودة التي ممكن أن تكون بسيطة.
والمميز بهذه الأنظمة المنظمة ذاتياً أنها أولاً أنظمة غير مركزية، يعني أنها ليست بحاجة لدماغ مركزي أو قائد لها، ثانياً تعتبر أنظمة قابلة للتطوير بمعنى أنه يمكن إضافة أعداد هائلة من العناصر المنفردة للنظام. وثالثاً، تعتبر أنظمة متينة يعني فشل أي عنصر من هذه العناصر لا يؤدي لفشل النظام.
من الممكن أن نتساءل من أين أتت هذه الفكرة ؟!
الأسراب الموجودة في الطبيعة هي التي أوحت للباحثين (راديكا ناغبال، مايك روبنشتاين، أليكس كورنيجو) في جامعة هارفارد أن يطوروا سرباً من 1024 روبوت.
حيث يمكنها تشكيل أشكالاً ثنائية البعد معقدة كالنجوم أو مفتاح "الرانش" أو الحرف K.
ما يجعل هذه الروبوتات استثنائية وفريدة من نوعها هو أنه وقبل ظهور الـ "KiloBots"، كانت معظم الأسراب محدودة العدد حيث لا يتعدى السرب 100 روبوت.
التحدي الأول كان هو بناء سرب ضخم سهل الاستخدام واقتصادي الكلفة، وهذا تطلب إعادة تفكير شاملة بكيفية تصميم هذه الروبوتات.
وهذا ما جعل التصميم بسيطاً، فقد كان الروبوت المصمم بحجم قطعة معدنية يمكنه التحرك على ثلاثة أرجل باستخدام محركي اهتزاز. ويمكن لكل روبوت التواصل مع الروبوتات المجاورة باستخدام الأشعة تحت الحمراء حيث يعمد كل روبوت لإرسال حالته عن طريق تغيير لون الديود الباعث للضوء LED وبنفس الوقت يستقبل حالة الروبوتات المحيطة عن طريق تحسس الضوء المحيط به.
والمثير للاهتمام أنه لم يتم استخدام أي نظام مشابه لنظام تحديد الموقع العالمي GPS لتحديد مكان تواجد كل روبوت ضمن خريطة توزع الروبوتات. وبدلاً من ذلك تمتلك الروبوتات نظام إحداثيات افتراضي باستخدام التواصل فيما بينها، وقياس المسافة مع الروبوتات المجاورة.
وتمت مراعاة أنه يجب على هذه الروبوتات أن تكون سهلة الشحن وإعادة البرمجة. حيث تتم عملية الشحن لهذه الروبوتات عن طريق حشرهم وترتيبهم بين سطحين ناقلين. أما عملية إعادة البرمجة فكانت تتم بشكل لاسلكي عن طريق متحكم عام يقوم بإرسال المعلومات إلى جميع الروبوتات لتأدية التجربة المطلوب تنفيذها.
بوجود هذه الروبوتات، استطاع فريق البحث تطوير خوارزمية يمكنها أن تجعل أعداد ضخمة من الروبوتات البسيطة وباستخدام اتصالات محلية، أن تقوم بتنفيذ تشكيل ذاتي لأي شكل يطلبه المستخدم. وهذا ما يحاول الفريق العمل عليه.
بداية يتم وضع جميع الروبوتات مع بعضها بشكل عشوائي ومن ثم يتم إرسال صورة عن الشكل المرغوب تشكيله. بعد ذك يتم إضافة أربع روبوتات مبرمجة بشكل خاص تسمّى البذور "Seed" إلى حافة المجموعة حسب توجه وموقع الشكل المطلوب، وتقوم ببث رسالة لكل روبوت في التوزع العشوائي المذكور، تسمح له عند تلقيها بتقدير المسافة بين نفسه والروبوت البذرة ""Seed وإحداثياته النسبية.
بعد ذلك تقوم الروبوتات الموجودة على حافة التشكيل بإتباع مسار الحافة حتى تصل إلى المكان المطلوب بشكل طبقي بدءاً من البذرة "Seed"
على الخوارزمية أيضاً أن تأخذ بالحسبان الروبوتات غير الفعالة أو الفائضة عن حاجة الشكل والتي تشكل عائقاً لعمل الروبوتات الأخرى. وقد تغلب الباحثون على هذا التحدي من خلال تنفيذ استراتيجيات سمحت للروبوتات بأن تعتمد على جيرانها من الروبوتات الأخرى من أجل التعاون سوية في التغلب على الأخطاء. كما تجنب الباحثون أيضاً الاعتماد بشكل كبير على تحديد الموقع الدقيق ضمن حدود الشكل.
في النهاية لا بد من الإشارة إلى أنه بعد سنوات من البحث في هذا المجال، فإنه يبدو وكأننا وصلنا في نهاية الأمر إلى نقطة تحول حيث يمكننا، باستخدام التجهيزات المادية والخوارزميات، بناء أسراب روبوتية على نطاق واسع. وهذه الأسراب من المحتمل أنها قد تساعدنا في فهم أنظمة التنظيم الذاتي الطبيعية من خلال توفير أنظمة هندسية فيزيائية بالكامل تقوم بإجراء تجارب أكثر. كما أنها تضع الخطوات الأولى نحو إنشاء أسراب صنعية لتطبيقات العالم الحقيقي، بما في ذلك التخفيف من الكوارث والقيام بالرصد البيئي، والتشكيل الفني وغير ذلك.
المصدر:
مصدر الصورة: