الموسيقا > موسيقيون وفنانون سوريون وعرب
مقابلة مع الفنانة تالار ديكرمنجيان
كان لفريق الموسيقى الشرف باجراء مقابلة مع مغنية الأوبرا السورية العالمية تالار ديكرمنجيان فكان الحوار التالي:
1. كيف كانت بدايات اكتشاف موهبتك في الغناء ؟ و هل لأحد أفراد أسرتك دور في ذلك ؟
بدأ اكتشاف موهبتي في المدرسة عندما طلبت مني المعلمة أن أغني أمام أصدقائي في الصف، و عندما سمعت صوتي اندهشت فقررت أن أغني أمام جميع المعلمات.
لكن لا أحد من أفراد أسرتي كانت لديه فكرة عن موهبتي، إذ كنت أغني بيني و بين نفسي فقط، أما أمي وأختي فهما فنانتان في مجال الرسم وأخي في مجال هندسة الديكور.
و بعد أن تم اكتشاف موهبتي أخذتني أمي عند معلمة غناء اسمها آراكس تشيكيجيان Chekijian Arax في حلب، وبالتالي بدأت بتدريب صوتي، وشاركت في معظم فعاليات الغناء في المدرسة بالإضافة لمشاركات فردية (solo) مع كورال نادي الشبيبة السورية على مسرح جمعية الثقافة الأرمنية في حلب، مثل تجسيدى لدور Anoush من أوبرا Anoush ل Armen Dikranian و غنائي عدة مقاطع Area من هذا العمل كل هذا قبل انتسابي للمعهد العالي للموسيقى في دمشق. هذا ما جعل الأستاذ صلحي الوادي يتساءل إن كنت قد أنهيت دراسة الأوبرا في أرمينيا قبل إجراء فحص القبول في المعهد العالي للموسيقى في دمشق.
2. ما الذي دفعك باتجاه غناء الأوبرا، خصوصاً وأن الأوبرا لم تكن مألوفة (دارجة) في سورية ؟
أنا لم أختر الأوبرا بل هي اختارتني، وكان لدي شغف في موسيقى الأوبرا خصوصاً أن معلمتي كانت مختصة في هذا المجال. كان حلمي أن أنتسب للمعهد العالي للموسيقى في إيطاليا لكن في تلك الأيام لم تكن الظروف متاحة للفتيات بالسفر والدراسة في بلدان أخرى، لذا وافق أهلي على الانتساب للمعهد العالي للموسيقى بدمشق.
3. كثير من المواهب الموسيقية والغنائية في سورية تعاني من مقولة "دع الفن هواية وادرس فرعاً آخر" ، هل مررت بهذا الموقف ؟ وماذا تقولين لمن يمرون بهذا التناقض؟
طبعاً، خاصة أن دراسة الموسيقى شيء غير ضروري بالنسبة لفئة كبيرة من المجتمع. أقول لمن يمر بهذا التناقض: " إذا كنت موهوباً بالفعل فإن الفن حاجة و ضرورة حية، وبالرغم من كل الصعوبات لا يوجد أمامك خيار، لأنك ببساطة لا تستطيع أن تعيش بدونها".
4. ما هي أهم اللحظات التي شكلت منعطفاً هاماً في مسيرتكِ الدراسية لغناء الأوبرا لتصبحي مغنية محترفة على مستوى عالمي ؟
إن فوزي بمسابقة الملكة إيليزابيث قد شكلت نقطة تحوّل أساسية في حياتي بعد ذلك انتقلت من هولندا (حيث كنت أدرس للحصول على شهادة الماجستير) إلى بلجيكا حيث أقيم الآن .
ومن الأشياء المهمة أيضاُ هو لقائي وعملي مع أشخاص مهمين بالنسبة لي مثل المعلمة آراكس (التي أدين لها بتدريب صوتي بالشكل الصحيح منذ البداية) و أستاذي مروان سبع لتهيئتي نفسيا و تشجيعه المستمر، والأستاذ فيكتور بابينكو Victor Babenko بإيمانه و تقديره لموهبتى منذ بدايات دراستي في المعهد.
صورة مع الأستاذ فيكتور بابينكو
والأستاذ صلحي الوادي لدعمه أثناء دراستي في دمشق و منحه لي فرص مميزة للغناء مع الأوركسترا و إختياره لي كمغنية أوبرا لتمثيل سورية في مهرجانات عربية و عالمية.
صورة مع الأوركيسترا الوطنية السورية بقيادة المايسترو صلحي الوادي
و أخيرا مغني الأوبرا العالمي جوزي فان دام Joze van Dam لمنحه لي عدة فرص للغناء معه في بروكسل و في أجمل قاعة الموسيقى الكلاسيكية.
صورة في حفلة مع مغني الأوبرا العالمي الشهير الباريتون جوزي فان دام
بعدها، أتيحت لي فرص عديدة، مثل دعوتي للغناء أمام العائلة الملكية في حفل رأس السنة في القصر الملكي في بروكسل، حيث تم بث الحفل بشكل مباشر على القناة البلجيكية. من حسن حظي أن استطعت استغلال هذه الفرص، ومن الجدير بالذكر أن الفرص لا معنى لها بدون جهد و أداء صحيحين، إذ نال الكثير من الناس فرصاً مهمة عن طريق المال والعلاقات لكن ليس المهم نيل هذه الفرص كي نكون ناجحين لأن النجاح يكمن في الجهد والعمل المستمر بالإضافة إلى الحصول على الفرص الصحيحة في الوقت المناسب.
5. أين تكمن صعوبة الغناء الأوبرالي بالمقارنة مع غيره من أساليب الغناء ؟
هذه الصعوبة تكمن في العمل على بناء الآلة (الحبال الصوتية) على مدى سنين طويلة، و ذلك عن طريق تمارين العضلات التي تساعد على دعم الصوت، بالاضافة إلى لغة الجسد، حيث أن الآلة لا تتكون من الصوت فقط، بل هي مزيج من العمل بين جميع عضلات الجسم لتكوين مدرسة التنفس. لذلك يلزمنا أعوام وسنين طويلة لتأسيس هذه المدرسة، حيث أن التمكن من هذه الآلة تمنحنا القدرة لكي نغني لساعات طويلة دون إرهاق الحبال الصوتية، وبهذا يتميز مغنوا الأوبرا عن غيرهم. والخامة وحدها لا تكفي بل يلزمنا تضحيات لأعوام طويلة، إذ يتأثر الصوت بعوامل مختلفة منها الطقس (الحالة الجوية) والمشاعر والحالة النفسية والجسدية للشخص.
6. ما هو أحب عمل قدمتهِ إليكِ ؟
ما أقدمه الآن هو الأحب على قلبي، فى كل شيء أغنيه أحبه، ولكن أحيانا توجد أعمال أو شخصيآت من اوبيرات مختلفة تكون أقرب لطبيعتي، فبشكل لا إرادي انجذب إلى تلك الشخصيات.
7. كمغنية أوبرا محترفة قدمت أعمالاً من مختلف مراحل و عصور الموسيقى، كيف تجدين التطور في الكتابة الموسيقية للأوبرا؟ وما هو العصر الذي شكل نقطة التحول الأساسية ؟
ظهرت موسيقى الأوبرا في أواخر القرن السادس عشر وتطورت عبر العصور، ولكن في أواخر القرن الثامن عشر أخذت هذه الموسيقى أهميتها مع موتسارت، حيث أنه أسس الأوبرا كما نعرفها الآن، مع الغناء الفردي والأوركسترا والمسرح والكورال. شهد الثلث الأول من القرن التاسع عشر ذروة أسلوب "بل كانتو" حيث أصبح التركيز على جمال الصوت وإبراز تقنياته، لذلك سمي بي أل Bel Canto (الغناء الجميل). من بعدها بدء التركيز على اهمية النص "libretto" وحجم الاوركسترا أصبح أكبر عن طريق إدخال آلات إضافية لتكون غنية بالألوان، و من أهم المؤلفين نذكر هنا Verdi، و مهد Verdi لحقبة الـ Verismo (الواقعية). و من أهم مؤلفي ألـ Verismo نذكر بوتشيني Pucchini، حيث أن نصوص أوبراته كانت مأخوذة من الواقع، من القصص الحقيقية، فهو أول من تجرأ بالتحدث عن الطبقة البسيطة والفقيرة في المجتمع، لهذا السبب أخذ شهرة كبيرة لأن أعماله تخاطب كل طبقات المجتمع وكل العصور . أما بالنسبة لي فإن Verdi شكل نقطة التحول، حيث استخدمت قصصاً واقعية من الحياة وهذا ما جعل الأوبرا موسيقى أقرب إلى قلوب الناس.
8. ما رأيك بالأوبرات الحديثة ؟ وهل تحمل نفس الألق الذي تحمله أوبرات العصر الكلاسيكي مثلاً ؟
لست أنا من يقرر ما تحمله العصور الجديدة من ألق، كما نلاحظ أن أغلب المؤلفين الكبار لم يلمعوا في عصرهم. لذلك التاريخ هو من يقرر تأثير الأوبرا الحديثة و يجب ألا ننسى أن الموسيقى والمؤلفات في جميع العصور هي انعكاس للواقع وحاجة التطور والهروب من الروتين.
9- أين تجدين متعة أكبر: في غناء الأوبرا وحده أم في الغناء مع بقية عناصر الأوبرا كالتمثيل والرقص ؟ ولماذا؟
في الغناء و التمثيل معاً، فهما يتيحان لي المجال في تجسيد شخصيات مختلفة، و هذا ما يعطيني متعة خاصة أثناء عملي.
10-غناء الجاز أو الغناء الشرقي على سبيل المثال يمنح المغني حرية في الارتجال، وهذا لا نجده في الغناء الأوبرالي فهل هذه تحسب نقطة لصالح الأوبرا أم ضدها؟ أم أنه يجب أن ننظر من زاوية مختلفة لهذه الجزئية ؟
يكمن الفرق في أن غناء الأوبرا لا يشمل الغناء فقط، بل إن مغني الأوبرا مقيد بالتمثيل وأداء النص أيضاً حيث لا يستطيع الارتجال لأن الأداء يكون مبنياً على قواعد أساسية وهي عدة حرف مجتمعة مع بعضها البعض...بينما غناء الجاز هو تأليف آني، يمنح المغني حرية الارتجال بسبب غياب تلك الأسباب.
11- من المثير للإعجاب الكم الكبير للجوائز التي حصلتِ عليها خلال فترة قصيرة نسبياً، حدثينا عن بعضها.
لقد فزت بالعديد من الجوائز العالمية، بما فيهم جائزة في مسابقة الملكية إليزايبث في بلجيكا. بالإضافة إلى جائزة السوبران الأكثر تميزا في مسابقة Bellini في ايطاليا. و مؤخرا حصلت جائزة caruso الإيطالية، التي تمنح للفنانين(غير الإيطاليين) الذين يقدمون أعمال أوبرا إيطالية في العالم.
12- قدمتِ في سورية أكثر من عمل أوبرا، ما هي هذه الأعمال؟ وهل كان شعورك مختلفاً عن الغناء في أهم دور الأوبرا في العالم؟
قدمت عملين في سورية أحدهما كان Lauretta/Puccini بالتعاون مع زملاء إيطاليين في دار الأوبرا في دمشق.
والاخر كان Spirit من Dido and Aeneas أول عمل أوبرالي يقدم على مسرح بصرى بالتعاون مع البريطانيين. أذكر أنني كنت في السنة الأولى من دراستي في المعهد العالي حين قدم لي هذا الدور و كان مكوناً من 6 مقاطع فقط، ما كان يجعلني حزينة. هنا قال لي الاستاذ صلحي الوادي جملة لم و لن أنساها أبداً "لا يوجد دور كبير أو دور صغير، كل دور له أهميته حتى لو كان صغيراً، المهم أن نؤديه بشكل جيد" فهنا تعلمت أن أهمية العمل تكمن في النوعية لا في الكمية.
أما بالنسبة لشعوري فهو بالتأكيد شعور مختلف عندما أغني بسورية مع أن مستوى و نوعية الأوبرا غير متطورة بشكل كبير، لكن هذه شرف لي كي أنقل خبرتي رويداً رويداً و نبني و نعلي من مستوى الأوبرا في سورية .
و رسالتي هي ... على الرغم من أني وصلت للمستوى العالمي و ربحت العديد من الجوائز لكن رسالتي أن أساهم في تطور الأوبرا في سورية، و هذه هي رسالة أي شخص مدين لوطنه.
13- هل هناك عمر مناسب للبدء في دراسة الأوبرا ؟ وهل البدء في دراسة الغناء الأوبرالي قبل مرحلة معينة يمكن أن يضر بالصوت على المدى البعيد ؟
أن يكون عمر الشخص 18 سنة فهذا يعد أنسب عمر للاحتراف، لكن المهم أن يتم التعلم بالشكل الصحيح منذ البداية في الغناء.
14- ما هي مشاريعك القادمة على المستوى الفني ؟
أعمالي القادمة ستكون في بلجيكا، وفي روسيا. لقد دعيت لحفل مع مغني الأوبرا الإيطالي التينور فابيو أندريوتي Fabio Andriotti، حيث أن لدينا العديد من الأعمال مع بعضنا البعض في واحدة من أكثر الصالات روعة في روسيا؛ دار الثقافة للموسيقى صالة سفيتلانوف Svetlanov Hall
15- هل تودين توجيه كلمة أخيرة في نهاية هذه المقابلة ؟
أوّد أن أشكر "الباحثون السوريون" على هذه المقابلة وبأنني سأكون جزءاً من هذه المبادرة الرائعة مبادرة الباحثون السوريون، و آمل أن يتعلم منكم الناس حيث أنكم تظهرون درجة عالية من الكفاءة و الاختصاص .
و هذه هي واحدة من المجموعات القليلة والتي فيها كل شخص يعمل وفقاً لاختصاصه بمسؤولية و احترافية عالية ، و تسألون أسئلة بناءة و هذا ما أقدره .
أتمنى لكم المزيد من النجاح.
و بالطبع أريد السلام من أجل سورية، و نواصل و نحافظ على قوتنا و مقدرتنا من خلال شباب مثلكم.
و أخيراً أحب أن أتوجه بالشكر إلى عائلتي و خاصة أبي و أمي الذين كانو واعيين لموهبتي و ساندوني مادياً ومعنوياً وشجعوني في هذا الطريق المميز الذي إخترته. إني مدينة لهم بالكثير.
- فريق مبادرة الباحثون السوريون يتوجه لك بجزيل الشكر على هذه المقابلة ، ويتمنى لك المزيد من التألق والنجاح في مسيرتك.
أداء حي للفنانة تالار
تالار نغني آريا Pamina من أوبرا الناي السحر لموتسارت
ثنائي من أوبرا "O soave fanciulla" - La Bohème ل Puccini مع مغني التينور الايطالي Fabio Andreotti في قاعة Svetlanov في موسكو
"Un bel di vedremo" من أوبرا Madama Butterfly ل Puccini في Dom Musiki Svetlanov Hall في موسكو
تالار تغني Rachmaninoff
كما يمكنكم مشاهدة ريبورتاج بعنوان "الصوت السوري يصدح في دار الموسيقى الدولية في موسكو" من هنا
وندعوكم للانضمام لصفحة معجبي الفنانة السورية العالمية تالار على الفيسبوك