الفلسفة وعلم الاجتماع > أعلام ومفكرون
في ذكرى وفاة نيتشه
في مثل هذا اليوم، الخامس والعشرين من آب من عام 1900 م، توفي الفيلسوف، الأديب، والشاعر الألمانيّ فريدريك فيلهلم نيتشه Friedrich Wilhelm Nietzsche مخلّفاً وراءه حياةً بائسة وتراثاً فكريّاً عظيماً كان ولا يزال فخراً للأمّة الألمانيّة خاصّة وللإنسانيّة جمعاء عامّة..
إنه الفيلسوف المغرور الذي يقول عن نفسه:
"أجل .. إني لأعلم من أنا، ومن أين نشأت... أنا كاللهيب النهم، أحترق وآكل نفسي ...
نورٌ هو كلُّ ما أمسكه ....
رمادٌ هو كلُّ ما أتركه...
أجل إني لهيبٌ حقاً..."
"هناك أناس يولدون بعد موتهم!.. عندما سيعرف الناس من أنا، لن أكون هنا..."
إنَّ هذه الكلمات التي خطها نيتشه تدفع المرء للتعرّف على هذا العقل الجبّار الفذ، الذي قلب الفكر الغربي بفلسفته التي تميّزت بالعمق والسعي لتجاوز الراهن البائس على المستوى الفرديّ والجمعيّ... فمن هو هذا الفيلسوف الذي زعزع أركان العقل البشري، وكانت فلسفته إيذاناً ببداية فلسفة ما بعد الحداثة؟؟
نيتشة الشبح، مهدّل الكتفين، ولد في الخامس عشر من تشرين الأول عام 1844. كان يسير بحذرٍ واضطراب بسبب إصابته بقصر النظر... وظلَّ طوال حياته الفكريّة الحقيقيّة مريضاً، مما حال بينه وبين حياة طبيعيّة ينعم فيها بالملذات... فحُرم الاستقرار و الثبات. وعاش حياةً قلقة، لم تعرف فيها الطمأنينة إلى قلبه سبيلاً. لذا لم يكن بمقدوره أن يعيش حياة زوجيّة وأبوّة... أصبحت الوحدة صديقه ووطنه بعد أن فقد حتى القدرة على الصداقة... لتنتهي حياته حياة مأساويّة بالمرض العقليّ الذي استنزف سنيّ حياته الإثني عشر الأخيرة، فكان الموت منقذاً له من آلامه...
يقول مؤرّخ الفلسفة الفرنسيّ(أليكسيس فينوكلو) عن نيتشه: كان مريضاً، فقيراً، شارداً، أو متشرداً على الطرقات والدروب. لم يكن له منزلٌ ثابت، ولا بيتٌ دافئ، ولا زوجةٌ ودودة، ولا صديقُ ولا أنيس.. لا شيء أبداً.. لا أحد.. وحدة مقفرة، شاسعةٌ واسعة، مترامية الأطراف... وحدة يكاد يُسمع فيها أزيز الصمت الذي يلفّه من كل الجهات. والأكثر من ذلك، أنّه لم يكن يرى أمامه إلى أبعد من ثلاث خطوات بسبب ضعف بصره.
لنستمع إليه هو شخصياً يصور حالته: «إنَّ وجودي عبءٌ ساحقٌ لا يُحتمل، لا أستطيع أن أقرأ! ونادراً ما أستطيع أن أكتب! لا أستطيع أن أتواصل مع أي شخصٍ على وجه الأرض! لا أستطيع أن أسمع أي موسيقى!..».
مقتطفات من حكم نيتشه:
- نحن نمدحُ ما يلائم ذوقنا؛ وهذا يعني أنّنا عندما نمدح، فنحن نمدح ذوقنا الخاص ـ ألا يخالف هذا كلَّ ذوقٍ سليمٍ؟!
"- أحببْ قريبَكَ" ـ هذا يعني أولاً: "اتركْه و شأنه!" ـ وهذا الجزء من الفَضِيْلَةِ هو الأكثر صعوبةً.
- مَنْ ليس قادراً على الحبِّ، ولا على الصّداقَة هو ذلك الَّذيّ يراهن غالباً على الزّواجِ.
- إنّ أولئك الَّذيّن كانوا يحبون الإِنْسانَ هم الذيّن سـببوا له دائماً الألم الأشدّ.. مثل جميع المحبين، يطلبون منه المحال.
- الدودة التي ندوسها تنطوي على نفسها، إنّها الحكمة عينها... إنّها بذلك تختزل إمكانيات أن ترى نفسها مداسة مجدداً، يسمى هذا في لغة الأخلاقيين (تواضعاً) .
- هناك نوع من (كره الكذب و الرياء) نابع من معنى حادٍّ للشرف، غير أن نفس الكره يمكن أن يكون أيضاً محض جبن، عندما يكون الكذب محرّماً بأمر إلهيّ ..(من فرط جبنه لا يكذب).
- عام 1879 أصيب نيتشه بمرض خطير وأوشك على الموت وقال لشقيقته إليزابيث التالي:
(أوصيكي إذا متّ أنّ لا يقف حول جثماني إلا الأصدقاء وأن لا يزورني إنسانٌ فضوليّ وأن لا يتلو قسيس الأباطيل والأكاذيب فوق جسدي في وقتٍ لا أستطيع فيه أن أدافع عن نفسي فأنا أريد أن أذهب إلى قبري وثنيّاً شريفًًاً)..
مؤلفات الفيلسوف الألمانيّ فريدريك نيتشه:
1858 - مِن حياتي: ترجمة : محمد بن صالح، دار الجمل، بغداد، الطبعة الأولى 2005...
الفلسفة في العصر المأساوي الاغريقيّ: ترجمة: سهيل القش، المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط3 ،1983.
1872 - مولد التراجيديا : ترجمة شاهر حسن عبيد، دار الحوار للنشر و التوزيع، اللاذقية، 2008.
1878 - هو ذا الإنسان: ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار التنوير للطباعة و النشر، 2009.
1879 - المسافر وظله.
1881 - الفجر.
1882 - العلم المرح (الجذل): ترجمة محمد الناجي و حسان بورقية، دار إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى 1996.
1883-1885 - هكذا تكلم زارادشت: ترجمة فليكس فارس، دار اسامة، دمشق.
1886 - ما وراء الخير والشر – تباشير فلسفة المستقبل - : ترجمة: جيزيلا فالور حجار، دار الفارابي، بيروت 2003.
إنسان مفرط في إنسانيته: - كتاب العقول الحرة -: ترجمة محمد الناجي، دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء 2011.
1858 - عن الموسيقا.
1862 - نابليون الثالث كرئيس.
1862 - القدر والتاريخ.
1862 - الإرادة الحرّة والقدر.
1863 - هل يستطيع الحسود أن يكون سعيدا حقاً.
1864 - حياتي.
1888 - عدو المسيح: ترجمة جورج ميخائيل ديبـ دار الحوار اللاذقية، طبعة أولى 2008.
1888 - نيتشه مقابل فاغنر.
1901 - إرادة القوة – محاولة لقلب القيم - ترجمة محمد الناجي، دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2011 . (مجموعة ملاحظات قدمتها أخته، لا تعبر بالضرورة عن رأي نيتشه).
1888 - قضية فاغنر .
1888 - أفول الأصنام: ترجمة حسان بورقيّة ومحمد الناجي، دار إفريقيا الشرق، ط1 1996.
المصادر:
كتاب عبد الرحمن بدوي عن نيتشه ضمن سلسلة (خُلاصة الفكر الأوروبيّ)، نشر: وكالة المطبوعات بالكويت، الطبعة الخامسة 1975.
كتاب – نيتشة الضحك والتراجيديا – بقلم أليكسيس فينوكلو، من منشورات المكتبة العامة الفرنسية في باريس.