الفنون البصرية > فن وتراث
تشان تشان، عاصمة مملكة تشيمو في البيرو.
أكبر المدن الترابيّة (المبنيّة من مواد الأرض خاصة الطين) في أميركا ما قبل كريستوف كولومبوس
تشان تشان، عاصمة مملكة تشيمو في البيرو.
وصلت مملكة تشيمو إلى أوج عصر ازدهارها في القرن الخامس عشر، قبل أن تسقط على يد الإنكا. تقع عاصمتها تشان تشان في وادي نهر سانتا كاتالينا، وهي أكبر مدينة في أميركا ما قبل كولومبوس. تعكس الآثار المتبقية من هذه المدينة استراتيجية سياسية واجتماعية صارمة، حيث أنها مقسمة إلى تسع قلاع (أو قصور) تشكل وحدات مستقلة.
تحمل آثار مدينة تشان تشان قيمة عالمية بارزة تتمثل في بقاياها المخططة بشكل هرمي، والتي تتضمن بقايا الأنظمة الصناعية والزراعية وأنظمة المياه التي كانت تغذي المدينة.
تمتد المنطقة الأثرية على مساحة 6 كيلومترات مربعة هي كل ما تبقى من مدينة كانت تشغل أكثر من 20 كيلومتر مربع، تضم تسعة مجمعات كبيرة من القلاع أو القصور المحددة بأسوار عالية تحتوي بداخلها على المباني والمعابد والمساكن والمخازن والخزنات والمقابر، وقد زينت جدران هذه المدينة بنقوش أثرية تصف المركبات الأثرية وقطاعات الانتاج التي تميزت بها المدينة كصناعة النسيج والخشب والمعادن. كما وجدت خارج المدينة مناطق زراعية واسعة وآثار نظام ري متطور. في الماضي، كان النهران موشي وتشيكاما يغذيان تلك الأراضي الزراعية عبر شبكة ري معقدة تمتد عبر ما يقارب ال80 كيلومتر.
هناك عدة معايير تدل على أهمية هذه المدينة، أولها يكمن في التخطيط المميز لهذه المدينة، من حيث أنها مبنية بالكامل من التراب، وتعتبر تحفة معمارية بالنسبة إلى عصرها، تقسيم دقيق، واستعمال ذكي للمساحات، إضافة إلى بنائها الهرمي الذي يعبر عن تقسيم نموذجي للطبقات الإجتماعية والسياسية قلما يشاهد بهذا الوضوح.
يكمن المعيار الآخر في كون مدينة تشان تشان هي النموذج الأكثر قدرة على تمثيل حضارة مملكة تشيمو الضائعة، والتي تضم أحد عشر ألف عاماً من تاريخ التطور الثقافي في شمال البيرو، تعبر عنها الهندسة العمارية الفريدة التي شيدت هذه المدينة ورمزية أبنيتها واحتوائها على آثار المعارف التكنولوجية التي تميز بها قاطنوها إضافة إلى آثار محاولاتهم للتكيف مع البيئة المحلية.
إن البناء الترابي للمدينة، إضافة إلى الظروف البيئية بما فيها ظاهرة "إل نينو" (ظاهرة مناخية ناتجة عن تأثير التغير الحراري للمحيط قبالة الساحل الغربي بأميركا اللاتينية) تجعل الموقع الأثري عرضة للتدهور والإنجراف، ومع ذلك فإن جهوداً مستمرة من الصيانة للموقع تسعى إلى المحافظة عليه والتخفيف من تلك التأثيرات.
كما أن تعدي الإنسان على هذا الموقع الأثري قد سبب تأثيرات سلبية عن طريق الممارسات الزراعية غير القانونية وتعدي المد الحضري والبنى التحتية بما في ذلك مصانع الأغذية الحيوانية والطرق السريعة على تلك المنطقة، حتى أن خطين من الطرق يقطعانها منذ العصور الاستعمارية.
وضعت هذه المدينة على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 1986 م بسبب عدم استقرار الأبنية الترابية وتعرضها لظروف مناخية أثرت عليها سلباً إضافة إلى تعرضها للنهب من قبل سكان المنطقة، وقد تم اتخاذ العديد من التدابير للحفاظ عليها ومواجهة التهديدات الناتجة عن ارتفاع منسوب المياه الجوفيه في المنطقة.
لا تزال المدينة حتى الآن رغم الظروف البيئية التي سببت تهدم أجزاء منها، لا تزال بفضل جهود الترميم المستمرة شاهداً على أساليب البناء والحضارة المميزة وروح شعب التشيمو.
ترجمة: نور دوبا
تصميم وتدقيق: ليلى السعدي
مشاهدة كافة مقالات السلسلة (لاحقاً) من خلال الضغط على الرابط (الهاشتاغ)
إضافية: