الفيزياء والفلك > علم الفلك
هل اكتشف الفلكيون أصداء انفجارات النجوم الأولى في الكون؟
أعلن فريق من الفلكيين كانوا قد حللوا ومضات انفجارية طويلة الأمد من الأشعة عالية الطاقة رصدت عام 2013 عن أن خصائص هذه الانفجارات تشابه بشكل كبير الخواص المتوقعة للانفجارات النجوم الأولى في الكون. وفي حال صحة هذا الاستنتاج فسوف يؤكد صحة أفكار العلماء حول نوع جديد تم تحديده مؤخرا من الومضات الانفجارية لأشعة غاما وقد تكون دليلا على ما قد تعتبره الأرصاد المستقبلية أخر الأفعال التي قامت بها النجوم الأولى.
ويشرح العالم (لوجي بيرو) مدير الأبحاث في معهد الفضاء للفيزياء الفلكية في روما، أن أحد أعظم التحديات في الفيزياء الفلكية الحديثة، هو السعي للتعرف على الجيل الأول من النجوم التي تشكّلت في الكون، والتي نشير لها باسم نجوم الجمهرة الثالثة (Population III) وقد قربنا هذا الحدث الهام خطوةً نحو ما نسعى إليه.
الومضات الانفجارية من أشعة غاما والتي ندعوها اختصارا GRBs هي أشد الانفجارات لمعاناً في الكون، الانفجارات تصدر أشعة غاما، أشد أطياف الضوء طاقةً، بالإضافة لأشعة سينية، وينتج كذلك شفقاً يتلاشى تدريجياً، والذي يمكن أن يتم رصده ضمن الأطوال الموجية التي تشمل المرئية وتحت الحمراء والراديوية. ويلتقط تلسكوب swift وتلسكوب Fermi بالإضافة للمركبات الأخرى هذه الومضات الانفجارية لأشعة غاما بمعدل ومضة واحدة يومياً.
في منتصف يوم 24 أيلول 2013 التقط تلسكوب swift ارتفاعا في أشعة غاما من مصدر باتجاه كوكبة الكور. وقامت تلقائياً المحطة الفضائية بتنبيه المراصد حول العالم أنها ترصد الومضة الانفجارية التي سميتGRB130925A . وتم توجيه تلسكوبات الأشعة السينية نحو المصدر، وقامت أقمار صناعية أخرى باكتشاف مد متصاعد لإشعاع عالي الطاقة.
تم تحديد مصدر الومضات بأنه مجرة بعيدة جداً على مسافة 3.9 مليار سنة ضوئية. رصد الفلكيون الآلاف من ومضات أشعة غاما GRBs عبر العقود الخمسة الأخيرة، ومؤخراً قاموا بتصنيفها إلى نوعين، قصيرة وطويلة، وذلك بالاستناد إلى مدة إشارة أشعة غاما، فالرشقات القصيرة تدوم فقط لثانيتين أو اقل، والتي يظن أنها تصدر عن اندماج جسمين ضمن نظام ثنائي، حيث من المرجح أن يكونا نجوماً نيوترونية وثقوب سوداء.
الومضات الطويلة لأشعة غاما GRBs قد تدوم من عدة ثواني إلى عدة دقائق والمدة النموذجية بين 20 إلى 50 ثانية، ويعتقد أنها تترافق مع انهيار نجم ذو كتلة تعادل عدة مرات كتلة الشمس، مما يؤدي لتشكل ثقب اسود جديد.
خلافاً لما سبق فان الومضة GRB130925A أنتجت أشعة غاما لمدة 1،9 ساعة، أي أكثر بمئات المرات من المدة النموذجية لإصدارات GRBs، . كشفت عمليات رصد الأشعة السينية من قبل تلسكوب swift عن تقلبات حادة وضخمة للشفق الناتج ضمن مجال الأشعة السينية، والذي اظهر توهجات شديدة لمدة 6 ساعات، بعدها تبدأ بالخفوت التدريجي الذي يرى عادة في ومضات الأشعة السينية الطويلة.
تنتمي هذه الومضة الانفجارية من أشعة غاما إلى نوع جديد ونادر ندعوه الومضات فائقة الطول.ولكنها تتميز بطول مدة الشفق التالي للانفجار ضمن مجال الأشعة السينية مما يجعل أقوى الاحتمالات لتفسير هذه الومضات هو أن تكون ناشئة عن نوع من النجوم يدعى العمالية الزرقاء الفائقة وذلك بحسب ما تضيف الباحثة إيلينورا تروجا في مركز غودارد لطيران الفضاء التابع لـ NASA وأحد أعضاء فريق البحث.
يعتقد الفلكيون أن نجوم وولف-رايت تقدم التفسير الأفضل لمنشأ ومضات أشعة غاما الطويلة. تعادل كتلة هذه النجوم 25 ضعفاً من كتلة الشمس، وتكون شديدة الحرارة مما يجعلها تدفع بأغلفتها الهيدروجينية الخارجية بعيداً، بسبب ما يعرف بالرياح النجمية. عندما تنهار هذه النجوم تكون طبقتها الخارجية قد تلاشت تماما اما حجم النجم المتبقي فهو قريب من حجم الشمس. يتشكل عندها ثقب أسود في قلب النجم وتنجذب المادة نحوه مولدة دفقات من الاشعة تمر خلال النجم وتستمر لعشرات الثواني.
وبشكل مناظر فان رشقات أشعة غاما فائقة الطول والتي تدوم أكثر بمئات المرات فان مصدرها يجب أن يكون نجماً ذو حجم أضخم من نجوم وولف-رايت. أكثر أنواع النجوم أحتمالاً لأن يكون مصدر هذه الومضات هو العمالقة الزرقاء الفائقة وهي نجوم حارة كتلتها تعادل 20 مرة كتلة الشمسوتحافظ على غلافها الهيدروجيني الكثيف، أما قطره فيفوق قطر الشمس بمائة مرة، أما النقطة الهامة فهي أن العمالقة الزرقاء الفائقة التي تحوي على نسبة صغيرة جداً من العناصر الأثقل من الهليوم (والتي تسمى في حالة دراسة النجوم بالمعادن) يكون حجمها أكبر.
تتعلق شدة الرياح النجمية بنسبة "المعادن" الموجودة في النجم ، وذلك يحدد مدة صمود غلافه الجوي الهيدروجيني قبل أن ينهار النجم. وفي حالة العمالقة الزرقاء الفائقة الأكبر حجما فان غلافها الهيدروجيني سوف يستغرق ساعات حتى سقوطه داخل الثقب الأسود، مقدماً مصدر وقود غني لتوليد ومضات أشعة غاما فائقة الطول.
الباحثون لاحظوا أن عمليات الرصد الراديوية للشفق اللاحق لومضات أشعة غاما، أظهرت بان السطوع بقي ثابتاً تقريباً ولمدة أربعة أشهر، وهذا البطء المفرط في خفوت الشفق يشير إلى أن موجة الومضة الانفجارية انتقلت فعلياً عبر الفضاء بدون عوائق، ما يعني بان الفضاء المحيط بالنجم كان خالياً بشكل كبير من المواد المنبعثة عبر الرياح النجمية. وبالتالي استنتج الفلكيون أن أفضل تفسير للخصائص الغير اعتيادية لومضة أشعة غاما الانفجارية GRB230925A بأنها صدى موت لعملاق ازرق عظيم فقير بالمعادن.
إن بحثنا بعيداً في الكون يعني بحثنا عميقا في الماضي، نحو أجيال نجمية مبكرة تشكلت بنسبة متزايدة من الغازات الفقيرة بالعناصر "المعدنية". ويعتقد الفلكيون بان نجوم الجمهرة الثالثة، أنهت كل منها حياتها كعملاق ازرق عظيم، لذلك فان GRB130925A قد تكون نموذج قريب وذو قيمة عالية لظاهرة قد نتحقق منها يوما ما من النجوم الأكثر بعداً في الكون.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: PD-USGOV-NASA.