كتاب > روايات ومقالات
التائهون
منذ الصفحات الأولى للرواية يأخذنا معلوف إلى تلك العوالم الحزينة التي وصلت إليها بلدننا المشرقية ويكشف زيف إدعاءات الكثير منا بحلم العدل والحرية والمساواة والعيش المشترك فيقول:
"كنا ندعي بأننا أتباع فولتير وكامو وسارتر ونيتشه أو السرياليين، فرجعنا مسيحيين أو مسلمين أو يهوداً وفق مذاهب محددة، وسجل يضم وفرة من القديسين، وما يرافق ذلك من ضغائن ورعة".
آدم، الأستاذ الجامعي وبطل القصة الرئيسي، يعود إلى بلده بعد ربع قرن من الغياب ليزور صديقه المريض ويسترجع في البلد ذكريات شبابه مع أصحابه في الجامعة والذين شتتهم المنفى ويعمل على إعادة لم شملهم من جديد.
الرواية تنقسم إلى ستة عشر قسماً على شكل أيام كل يوم هو قسم خاص يتناوب فيها الروائي وآدم -من خلال مذكراته- سرد الأحداث، حيث يعود آدم من فرنسا ليرى صديقه الذي يُحتضر ولكن الصديق يموت قبل وصول آدم بساعات وعندها يبدأ آدم في استرجاع ذكرياته مع الشلة أثناء دراسته الجامعية ونلاحظ أن معظم الأصدقاء قد هاجروا خارج البلد ومن بقي فيها تلطخت أيديهم بدماء الحرب الأهلية، حيث يقوم بمراسلاته من أجل لم شملهم من جديد ولو للقاء واحد، وبعد جهد ليس بالقليل يستطيع أن يتفق معهم على موعد للاجتماع على أرض الوطن ولكنه ويا للأسف يتعرض لحادث أليم أدى إلى دخوله في غيبوبة طويلة ولم نعرف هل أفاق منها أم لا حيث بقي مصيره مجهولاً.
يعتبر هذا السرد هو الهيكل الدرامي الذي بنى عليه معلوف كل ما أراد من أفكار تتعلق بواقعنا الراهن وما نعانيه من العصبيات والفئويات وكلها باسم الوطن ولكنها في النتيجة تفتك في جسد هذا الوطن.
مهما كانت توجهاتك سترى نفسك في هذه الرواية، حيث استطاع أمين معلوف أن يجمع مختلف التيارات الموجودة على الساحة في بلداننا من خلال أصدقاء الشلة ففيهم المقاتل الثوري وفيهم السلفي الديني المتأسلم وفيهم صاحب الثروة وفيهم صاحب الفكر والنظريات وفيهم من يدعي الوطنية (الوزير) وفيهم اليهودي (الذي ننظر إليه بأرتياب على الغالب) واخيراً فيهم الراهب المسيحي.
لمعات الرواية تبدأ، ولكنها لا تنتهي، فمن الأفكار التي سُلط عليها الضوء مصير أوطاننا المجهول حيث يركز المؤلف على هذه النقطة فيقول: "أن يضمحل عالم الأمس تلك سنة الحياة وأن يشعر المرء نحو الوطن بشيء من الحنين كذلك سنة الحياة، إننا نجد بسهولة العزاء لفقدان الماضي، ولكن ما من شيء يعزينا لفقدان المستقبل فالبلد الذي يحزنني غيابه ويؤرقني ليس ذاك الذي عرفته في شبابي، بل ذالك الذي حلمت به والذي لم يقدَّر له أن يبصر النور".
وكذلك يحاول الكاتب أن يشرح صورتنا المشوهة لدى الغرب ومن المسؤول عن هذا التشويه فيقول: "المهزومون ينزعون دوماً لإظهار أنفسهم بمظهر الضحايا الأبرياء، ولكن ذلك لا يطابق الحقيقة، فهم ليسوا أبرياء على الإطلاق إنهم مذنبون لأنهم هزموا. مذنبون تجاه شعوبهم، ومذنبون تجاه حضارتهم. ولا أتحدث فقط عن الحكام، بل أتحدث عني وعنك وعنا جميعاً. إذا كنا اليوم مهزومي التاريخ، وإذا كنا مذلين بنظر العالم أجمع كما بنظرنا فالحق ليس فقط على الآخرين بل علينا أولاً".
لن نستطيع هنا أن نسرد كل الأفكار العظيمة التي وردت في الرواية فهذا المقال، في النهاية، هو دعوة للقراءة.
الجدير بالذكر أن أمين معلوف يكتب باللغة الفرنسية، ولكن ترجمة الرواية كانت موفقة جداً للأستاذة نهلة بيضون، مع الانتباه إلى وجود بعض الاخطاء المطبعية في الطبعة الأولى.
في الختام أجد أن غالبية من نستطيع أن نبني معهم وطناً تسود فيه قيم الحرية والعدالة والمساوة يشبهون آدم بطلنا، وبذلك نكون نحن وإياهم في مهب الريح، فآدم دخل في غيبوبة ولم نعرف مصيره في نهاية الرواية.
الكتاب: التائهون
المؤلف: أمين معلوف
ترجمة: نهلة بيضون.
دار النشر: الفارابي.
عدد الصفحات: 560 قطع متوسط.
نوعية الكتاب: ورقي.