الرياضيات > الرياضيات
الهندسة الكسيرية
لاشكَّ في أنَّ الهندسة الكسيريّة ستغير نظرتك للعالم من حولك، والمزيد من القراءة حول الموضوع كفيل بجعلك تخسر تلك الرؤية التي خلقتها منذ طفولتك عن الغيوم، أوراق النباتات، الصخور، الجبال، شلالات المياه، والكثير من الأشياء الأخرى. لن يعود تأويلك لتلك الأشياء مطلقاً كما كان في السابق.
في الرياضيات، الكسيريّات هي عبارة عن أشكال هندسية معقدة لها "أبعاد كسرية" أو “Fractional Dimensions”، الفكرة التي طُرحت للمرة الأولى من قبل الرياضي الألماني فيليكس هاوسدورف Felix Hausdorff في العام 1918. الكسيريّات مختلفةٌ عن الأشكال الهندسية العادية (المربع، الدائرة، الكرة...الخ)، فهي قادرة على وصف أشكالٍ غير منتظمة، أو ظواهر طبيعية غير منتظمة فراغياً، كخطوط السواحل، أو السلاسل الجبلية. مصطلح الكسيريّات أو Fractals مشتقٌّ من الكلمة اللاتينية Fractus التي تعني (المكسور أو المُجزَّء)، أول من وضعه العالم الرياضي الفرنسي بينوا ماندلبرو Benoit Mandelbrot.
"الغيوم ليست كروية، الجبال ليست مخروطية، خطوط السواحل ليست دوائر، لحاء الشجرة ليس أملساً، ولا البرق ينتشر بشكل مستقيم" يقول بينوا ماندلبرو.
لاحظ ماندلبرو وجود ما قد يعرف بـ"هندسة الطبيعة"، مما دفعنا إلى التفكير بطريقة علمية جديدة في وصف حواف الغيوم، قمم الغابات المترائية من الأفق، والنسق المعقد من الريش على جناحي الطائر. علمُ الهندسة بشكلٍ عام ، مختصٌ بجعل حدسنا الفراغي متجرِّداً، فالهندسة الكلاسيكية تقدم تقديراً أولياً لبنية الأجسام الفيزيائية، فهي لغةٌ تعبر على سبيل المثال عن تصاميم المنتجات التكنولوجية، وبشكل تقريبي كبير، عن بعض النماذج الطبيعية. أمّا الهندسة الكسيرية والتي تشكِّلُ امتداداً للهندسة الكلاسيكية، فبإمكانها إعطاء نماذج دقيقة مفصّلة للأجسام الفيزيائية بدءاً من نبات السراخس انتهاءً بالمجرات، فهي لغة جديدة، إتقانها يمكِّنُنا من وصف شكل غيمة ما بدقة، كدقة وصف المعماري لمنزل.
· أمثلة عن بعض البنى الكسيرية الشهيرة:
1. منحني فون كوخ، أو منحني ندفة الثلج لفون كوخ Von Koch’s Snowflake Curve :
وهو عبارة عن نجمة سداسية، ذات تماثل ذاتي سداسي، تماماً كندفة الثلج الطبيعية.
نحصل عليه من مثلث متساوي الأضلاع، يُقسم كل ضلع من أضلاعه إلى ثلاثة أجزاء متساوية، يستبدل الجزء المتوسط من كل ضلع بمثلث، تُزال قاعدته، وتكرر هذه العملية مراراً، ويستحيل الحصول على الشكل الحقيقي لمنحني كوخ عملياً، لأنه يتألف نظرياً من عددٍ غير منتهٍ من التكرارات.
1. مثلث سيربنسكي Sierpiński gasket : والذي سُمّي نسبة للرياضي البولوني واكلاو سيربنسكيWacław Sierpiński.
يتألّف من مثلث متساوي الأضلاع مُصمت، يُزال منه المثلث الداخلي المتشكل من التقاء منتصفات أضلاع المثلث الأصلي، فنحصل على ثلاثة مثلثات داخلية، تكرر العملية على كل مثلث داخلي لنحصل منها على تسعة مثلثات وهكذا...
1. مجموعة ماندلبرو Mandelbrot set: هي شكل كسيري مشهور بشكل واسع حتى خارج مجال الرياضيات لتداخلها مع ما يدعى الفن الكسيري، حيث تقدّم صوراً فنية تتميز بالجمال والتجريدية. ما يميز مجموعة ماندلبرو هو البنية المعقّدة التي تقدمها رغم بساطة تعريفها.
خصائص الكسيريات:
العديد من البنى الكسيرية لها خاصية التماثل الذاتي أو self-similarity، على الأقل تماثلٌ إلى حدٍّ ما، إن لم يكن تماثلاً تاماً. فالبنى التي لها هذه الخاصية، تكون الأجزاء المكوِّنة لها عبارة عن تكرار للشكل العام. هذا التكرار للتفاصيل يحصل تدريجياً على مقاييس متدرجة في الصغر، والتي يمكن لها، في حالة الكينونة التجريديّة البحتة، الاستمرار على نحو غير محدود، بحيث يصبح كل جزء من كل جزء من الشكل، في حال تكبيره، سيبدو تماماً كالجزء المأخوذ منه، وكذلك كالشكل العام. في الحقيقة، الشكل المتماثل ذاتياً يبقى ثابتاً مهما تغير المقياس، أي يمتلك تطابقاً متدرجاً. هذه الظاهرة الكسيرية يمكن تجسيدها في ندف الثلج أو لحاء الشجر.
ميزة أساسية أخرى للكسيريّات، هي عبارة عن متحول رياضي يعرف بـ “Fractal Dimension” أو (البعد الكسيري). فعلى عكس الأبعاد الإقليدية، البعد الكسيري عادةً يعبَّر عنه بكسور (وليس أعداد صحيحة). فالبعد الكسيري يمكن توضيحه من خلال منحني ندفة الثلج.
لشرح البعد الكسيري، نتطرق لشرح المثال الآتي:
((((((((إذا أردنا مضاعفة خط مستقيم بمقدار 3، فإن طوله يصبح 3 أضعاف، وبما أنَّ فإنّ ذلك يبيّن لنا أن المستقيم ذو بعدٍ واحد. وإذا قمنا بزيادة (مضاعفة) مربع بمقدار 3 (مضاعفة كل ضلع من أضلاعه 3 أضعاف)، فإن مساحته إذا أردنا مضاعفة خط مستقيم بمقدار 3، فإن طوله يصبح 3 أضعاف، وبما أنَّ فإنّ ذلك يبيّن لنا أن المستقيم ذو بعدٍ واحد. وإذا قمنا بزيادة (مضاعفة) مربع بمقدار 3 (مضاعفة كل ضلع من أضلاعه 3 أضعاف)، فإن مساحته بمقدار 3 فإن حجمه يصبح 27 ضعف، ، أي المكعب يشغل ثلاثة أبعاد.))))))))
الآن بالنسبة لمنحني كوخ، إذا قمنا بمضاعفته بمقدار 3، نلاحظ أن طوله يصبح 4 أضعاف، كما في الشكل الآتي:
والبعد الكسيري يحسب كالآتي:
· تطبيقات الكسيريات:
الهندسة الكسيرية لها تطبيقاتٌ واسعة في كافة المجالات. فأصبحت تمثّل المحيط الرياضي القادر على تجسيد الحوادث الطبيعية بدقة، كنمو النباتات وتشكل السحب و دراسة نمو الأحياء البحرية كالمرجان والإسفنج. كذلك، توسُّع المدن الحديثة، وفي الطب، تبيّن وجود تطبيقات للبنى الكسيرية في دراسة نشاط الدماغ. و بفضل خاصيات الكسيريات من تماثل ذاتي وميزة البعد الكسيري، فأصبحت تستخدم بشكل متزايد في مجال الميكانيك الإحصائي، خاصة عند التعامل مع نظم فيزيائية ذات مزايا عشوائية. إضافة لذلك، استُخدمت لمحاكاة توزُّع المجرات عبر الكون
المصادر :
1) "Fractal." Encyclopaedia Britannica. Encyclopaedia Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopaedia Britannica، 2012.
2) Crilly، Tony، 50 mathematical ideas you really need to know، Quercus، London، 2007.