الهندسة والآليات > الطاقة
الأشعة تحت الحمراء مصدر طاقة متجدد جديد
فيزيائيون من مدرسة هارفرد للهندسة والعلوم التطبيقية (SEAS) يضعون تصور لإمكانية صنع جهاز يقوم بحصد الطاقة من خلال انبعاثات الإشعاعات الأرضية ما دون الحمراء إلى الفضاء الخارجي.
بفضل وجود الشمس يعتبر كوكب الأرض دافئاً بالنسبة للخلاء البارد المحيط به. بفضل التقدم التكنولوجي الحالي، يقول الباحثون، أن اختلال التوازن الحراري الموجود يمكن عما قريب تحويله إلى مصدر قدرة يعمل بالتيار المستمر، من خلال الاستفادة من مصدر الطاقة الهائل وغير المستغل.
لقد تمكن الباحثون من إجراء تحليل ترموديناميكي (الديناميكا الحرارية: علم انتقال الحرارة) ومن تحديد المخاوف العملية و المتطلبات التقنية لمصدر الطاقة الجديد وتم نشر هذه المعطيات في الأكاديمية الوطنية للعلوم المتقدمة.
يقول المحقق والباحث الرئيسي "فيديريكو كاباسو" : (في الوهلة الأولى كان من غير الواضح ، تفسير كيفية توليد طاقة بتيار مستمر بواسطة إشعاع الضوء ما دون الأحمر في الفضاء الحر).
صديقه البروفيسور في الفيزياء التطبيقية والباحث المشارك في الهندسة الكهربائية في مدرسة هارفرد للهندسة والعلوم التطبيقية (SEAS) "روبرت والانس": (يمكن توليد الطاقة عن طريق انبعاث الضوء ، وليس عن طريق امتصاصه. وهذا هو السحر في الموضوع. وهذا يعطي للفكرة معنى فيزيائي أوضح عند التفكير بها لدرجة معقولة. نحن نتحدث عن استخدام الفيزياء في المقياس النانوي على تطبيق جديد تماماً).
اجتماع التحدي:
يعد البروفيسور "كاباسو" أحد أشهر الخبراء على مستوى العالم في فيزياء أشباه الموصلات وعلوم البصريات والكترونيات الحالة الصلبة. وهو من شارك في اختراع ليزر التعاقب (الشلال) الكمومي تحت الأحمر في العام 1994، ويعد رائداً في جمال هندسة فجوة النطاق (فجوة النطاق مفهوم فيزيائي مستخدم في علم أشباه الموصلات و يمثل مجال طاقي في الجسم الصلب حيث لا يمكن للالكترونات أن تتواجد فيه ، و ايضا يمثل الفرق في االطاقة بين نطاق التكافؤ و نطاق التوصيل
حيث تتكون اشباه الموصلات من عدة نطافات و لكن تواجد الالكترونات ينحصر تقريبا على نطاقين نطاق التكافؤ و يمثل النطاق السفلي حيث يكون مشغول بالالكترونات (و تسمى الكترونات النقل ) ، و نطاق التوصيل اللذي يمثل النطاق العلوي حيث توجد فيه الالكترونات المثارة فقط (عادة تثار عبر التسخين ) . و عندها تقوم هذه المواد بنقل التيار الكهربائي . و تكون فجوة الطاقة أكبر في المواد العازلة منها في اشباه الموصلات و بالتالي سيكون من الصعب على الالكترونات الانتقال الى نطاق التوصيل و بالمحصلة تكون الناقلية الكهربائية اقل . )
وهو من برهن ظاهرة المراوغة الكمومية الالكتروديناميكية والتي تسمى قوة كاسمير الطاردة " repulsive Casimir force"، ونال عليها جائزة علوم الفيزياء الأوروبية في مجال الالكترونيات الكمومية والبصرية.
يقول "كاباسو": (المجال المتوسط للأشعة ما دون الحمراء، يعتبر إلى حد كبير جزءاً مهملاً من الطيف الإشعاعي، حتى مع أجهزة التحليل الطيفي، إلى أن ظهر ليزر التتابع (الشلال) الكمومي. إن الإشعاع المتوسط ما دون الأحمر يعتبر منطقة عمل صعبة جداً، لطالما ابتعد الناس عن الاقتراب إليه).
اليوم، يقترح "كاباسو" وفريق بحثه شيء ما مماثل لحد ما للوح الخلايا الكهروضوئية الشمسي (الخلية الكهروضوئية : خلية تقوم بتحويل الطاقة الضوئية الممتصة من ضوء الشمس الى طاقة كهربائية) ، ولكن بدلاً من التقاط الضوء المرئي القادم من الشمس، فإن الجهاز الجديد سيمكنه توليد الطاقة الكهربائية من خلال تحرير الأشعة ما دون الحمراء .
يقول المؤلف "ستيفن بيرنز " والذي يعد لمرحلة ما بعد الدكتوراه في مدرسة هارفرد للهندسة والعلوم التطبيقية (SEAS): (يعتبر ضوء الشمس مصدر جيد للطاقة، بالتالي فإنه من المنطقي استخدام الخلايا الكهروضوئية ، فهي تقوم بجمع طاقة الضوء القادم إليها من الشمس. ولكنها رغم ذلك ليست بهذه البساطة، وعملية التقاط الطاقة من الأشعة الضوئية ما دون الحمراء ما زالت مبهمة. ومن غير الواضح مقدار الطاقة التي يمكن توليدها من خلال هذه الطريقة، أو فيما إذا كانت تستحق حقاً مواصلة العمل بها، وكل هذا سيبقى نظرياً حتى الانتهاء من إجراء الحسابات).
وكما هو واضح فإن القدرة المنتجة متواضعة ولكنها حقيقية.
يشير " بيرنز " إلى نقطة مهمة بقوله: (قد يقترن تزويد الجهاز الجديد بخلية شمسية، مثلاَ، من أجل الحصول على طاقة إضافية في الليل، بدون الحاجة لتكاليف تركيب إضافية).
جهازان مقترحان، أحدهما ماكروي، والآخر نانوي:
من أجل رؤية مجال الاحتماليات الممكنة، قام فريق "كاباسو" باقتراح نوعين مختلفين من حاصدات الطاقة المشعة قيد الدراسة:
الجهاز الأول مماثل لعمل مولدات الطاقة الشمسية الحرارية، والجهاز الثاني مماثل لعمل الخلية الفوتوفولطية. وكلاهما قد يعمل بشكل معاكس للآخر.
النوع الأول للجهاز قد يتألف من طبقة "ساخنة" عند درجة حرارة الأرض والهواء، بالإضافة لطبقة "باردة" فوق الطبقة "الساخنة". الطبقة الباردة تكون متجهة نحو الأعلى، قد يتم صنعها من مادة خام شديدة الانبعاثات يتم تبرديها بواسطة إشعاع حراري عالي الكفاءة إلى السماء.
بناءً على القياسات التي أجريت على إصدار الأشعة ما دون الحمراء في مدينة لاموند بولاية أوكلاهوما الأمريكية، استطاع الباحثون بالحساب التوصل إلى أن التفاوت الحراري بين الطبقات من شأنه أن يولد بضعة واتات (Watts) في المتر المربع الواحد في الليل والنهار.
إن الحفاظ على الطبقة "البادرة" بشكل أكثر برودة من الحرارة المحيطة بها يعتبر أمراً صعباً للغاية، ولكن هذا الجهاز يوضح الهدف الأساسي من العملية "التفاوت في الحرارة يعطي النتيجة المرجوة".
بسحب قول " بيرنز ": (تعتبر هذه المقاربة واضحة تماماً، وذلك لأننا نقوم بدمج أساسيات مشابهة للمحركات الحرارية والتبريد الإشعاعي).
الجهاز الثاني المقترح يعتمد في عمله على الاختلاف الحراري بين المكونات الالكترونية على المستوى النانوي – كالديودات (الثنائيات) والهوائيات (الأنتيل) – أكثر من الإحساس بالحرارة الذي نشعر به في يدينا.
يقول "كاباسو": (إذا كان لديك عنصرين أو مكونين في نفس درجة الحرارة، فسيكون من الواضح عدم قدرتك على الحصول على أي نتيجة، ولكن إذا كان لدينا درجتي حرارة مختلفتين عندها بالتأكيد سنحصل على نتيجة مرضية، ولكن بسبب سلوكيات الالكترون، فإن الأمور تصبح أكثر إبهاماً).
الجميل في مخططات الدارات الموضحة جانباً هو أنه وجدنا أنها استخدمت سابقاً لتطبيقات أخرى في العام 1968 من قبل "غان: مخترع الديود المسمى باسمه" والذي استخدمه في رادارات الشرطة والذي تم إخفاؤه لاحقاً من الاختراعات العلمية وقتها وأصبح طي النسيان. المهم أن محاولة شرح عمله بطريقة نوعية يستهلك مجهوداً كبيراً.
ببساطة، عند وضع المكونات في الدارة الكهربائية سيتم وبشكل عفوي سحب تيار في كلا الاتجاهين، وهذا ما
يسمى بالضجيج الكهربائي. تظهر مخططات "غان" أنه عندما يكون مكون كهربائي كالديود عند درجة حرارة أعلى من المقاومة، فإنه سيتم سحب تيار في اتجاه واحد فقط مشكلاً جهداً كهربائياً موجباً.
ويشير فريق "كاباسو" أن المقاومة ستلعب دور هوائي (أنتيل) ميكروسكوبي (بالغ الصغر) يتميز بقدرته على إصدار أشعة ما دون الحمراء بشكل كفؤ جداً باتجاه السماء، عن طريق تبريد الالكترونات فقط في جزء من الدارة. وبالتالي النتيجة كما يقول بيرنز ستتمثل في الحصول على التيار الكهربائي مباشرة من عملية الإشعاع، دون المرور بخطوات وسيطة من أجل تبريد الجسم الميكروسكوبي.
التحديات التقنية – والوعود:
إن المقاربة الالكتروبصرية بحسب الرواية، قد تكون ممكنة في ضوء التطور التكنولوجي والتقدم العلمي في مجال البلازما والالكترونيات المصغرة والمواد الجديدة كالغرافين والمركبات النانوية.
يقول " بيرنز ": (لقد عمل الناس على ديودات الأشعة ما دون الحمراء لـ 50 سنة على الأقل دون تقدم ملحوظ، ولكن التقدم الحالي في مجال التكوين النانوي يعتبر ضرورياً لجعلها أفضل وأكثر انتشاراً وقابلية لإعادة الإنتاج).
بكل حال، حتى بوجود أحدث ديودات (ثنائيات) الأشعة ما دون الحمراء، تبقى هناك مشكلة. يشرح " بيرنز " قائلاً: (إن الطاقة الأكبر التي تتدفق من خلال دارة وحيدة، تعتبر الدارة الأسهل في الحصول على ما نريد من مكوناتها. إذا قمنا بحصد الطاقة من إصدارات الأشعة ما دون الحمراء، فإن الفولطية ستكون أقل نسبياً. هذا يعني أنه من الصعب جداً إنشاء ديود أشعة ما دون الحمراء يعمل وفق تصورنا).
مهندسون وفيزيائيون من ضمنهم " بيرنز " يعملون بشكل جدي اليوم على أنواع جديدة من الديودات التي يمكن لها أن تعالج مشكلة الفولطية المنخفضة، كالديودات (الثنائيات) النفقية ، والديوات القذفية.
هناك مقاربة أخرى تتعامل مع إمكانية زيادة قيمة الممانعة لمكونات الدارة، عن طريق زيادة الفولطية لمستوى عملي أكبر.
تشكل السرعة أيضاً تحدياً آخر. بحسب "بايرينس": (هنالك فقط فئة محددة من الديودات تتمتع بعملية تبديل إيقاف/تشغيل بحدود 30 ترليون (الترليون: 1000 مليار) مرة في الثانية الواحدة، وهو ما نحتاجه للإشارات الخاصة بالأشعة ما دون الحمراء. نحن بحاجة للتعامل مع متطلبات السرعة في نفس الوقت الذي نحن بحاجة فيه للتعامل مع متطلبات الفولطية والممانعة الكهربائيتين. يمكننا الآن فهم القيود والمحددات ونحن اليوم في موقع جيد للعمل على إيجاد حل هندسي لهذه القضايا).
الجدير ذكره في النهاية أن "رومان بلانشارد " والذي أكمل مرحلة الدكتوراه في مدرسة هارفرد للهندسة والعلوم التطبيقية (SEAS)، كان أيضاً من المؤلفين المشاركين في إنجاز ورقة البحث المنشورة في الأكاديمية الوطنية للعلوم المتقدمة PNAS. وقد تم دعم هذا البحث في جزء منه من قبل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا.
المصدر : هنا
مصدر الصورة : هنا