البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
الجمرة الخبيثة بين الإرهاب و الموسيقى
تعود أقدم الوثائق عن الإصابة بالجمرة الخبيثة إلى الألفية الثانية قبل الميلاد. تتنوع الإصابة بالجمرة الخبيثة بين الإصابة فائقة الحدّة والحادّة وتحت الحادّة. وهو مرض يصيب بشكل رئيسي آكلات العشب (Herbivores) إلا أنه يمكن أن يصيب الثدييات الأخرى كالبشر، وقد يصيب الطيور أيضاً.
كلمة (Anthrax) وهي الكلمة الإنكليزية لمرض الجمرة الخبيثة – تم اشتقاقها من الكلمة الإغريقية (Anthrakos) والتي تعني الفحم، كما أن الاسم العربي (الجمرة) مرتبط بهذه التسمية أيضاً.
يعود السبب في إطلاق كلمة الفحم أو الجمرة على هذا المرض إلى الندبة المميزة التي تحدثها الإصابة الجلدية بهذه الجرثومة والتي تجعل الجلد يبدو متفحّماً. أول من أثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ بكتريا Bacillus anthracis هي المسبب لمرض الجمرة الخبيثة هو العالم روبرت كوخ، وذلك في العام 1876.
تُصنَّف بكتريا B. acnthracis كجراثيم إيجابية صبغة غرام، عصوية، وتستطيع تشكيل أبواغ حينما تكون ظروف النمو المحيطة بها قاسية بعض الشيء كقلّة المغذّيات أو الرطوبة أو الأوكسجين...الخ.
تظهر الإصابة بالجمرة الخبيثة على ثلاث صور أو أشكال:
أولاً- الإصابة الجلدية: عن طريق التماسّ المباشر مع الأبواغ أو ملامسة آفات لدى حيوانات مصابة، وهي الأكثر شيوعاً. تسبّب آفة موضعية التهابية نخريّة سوداء (كما هو موضح في الصور التالية). يمكن أن يسبب العدوى.
ثانياً- الإصابة الرئوية: عن طريق استنشاق أبواغ الجمرة الخبيثة، وهو شكل مُميت. تتميز هذه الإصابة بحدوث وذمة أو استسقاء فجائي وهائل، تليه صدمة قلبية وعائية. لا يمكن أن ينتقل من إنسان إلى آخر.
ثالثاً- النوع الهضمي: تتم الإصابة بهذا النوع عن طريق تناول لحوم حيوانات مصابة بالجمرة الخبيثة. تشبه الأعراض في بدايتها أعراض التسمم الغذائي لكنها قد تزداد سوءاً، وقد يحدث إقياء دموي.
تعالَج جراثيم الجمرة الخبيثة بحقن البنسللين بادئ الأمر، وتلك التي تعنّد على البنسيللين يمكن معالجتها إما باستخدام صادات من زمرة الفلوروكينولونات (Fluoroquinolones) مثل السيبروفلوكساسين (Ciprofloxacin) أو التتراسيكلينات (Tetracyclines) مثل الدوكسيسيكلين (Doxycycline).
تكمن المشكلة في حالة الجمرة الخبيثة الرئوية في ضرورة تلقي العلاج فور الإصابة أو الشك بالإصابة بالجمرة الخبيثة، وذلك لأن التأخر به سيؤدي إلى الوفاة قبل التمكن من إعطاء العلاج اللازم. السرعة في العلاج مطلوبة للنوعين الآخرين ولكنّها أكثر إلحاحاً بالنسبة للجمرة الخبيثة الرئوية.
كما تظور سلاسل معنّدة على البنسيللين و تحوير هذه الجراثيم بواسطة الهندسة الوراثية كي تصبح معنّدة على الصادات الحيوية دفع كثيراً من العلماء إلى محاولة إيجاد علاجات فعالة جديدة تقضي على هذه الجراثيم المميتة، الأمر الذي تم تحقيقه خاصةً بعد الهجمات الإرهابية البيولوجية في الولايات المتحدة التي بدأت يوم الثلاثاء في الثامن عشر من أيلول عام 2001 واستمرت عدة أسابيع، والتي أثارت موجة هلع ورعب بين أوساط الأمريكيين والعالم أجمع وأدّت إلى تكثيف الجهود البحثية لإيجاد علاجات ناجعة لهذا المرض.
الخطر الأكبر الذي تشكّله جراثيم الجمرة الخبيثة يكمن في إمكانية استخدامها كسلاح بيولوجي في الهجمات الإرهابية، فبمجرد استنشاق الأبواغ، يتم نقلها بواسطة البلاعم أو البالعات السنخية إلى العقد البلغمية (الليمفاوية) المحيطة بالرئتين حيث تقوم هناك بعملية إنبات (أي تتحول من الحالة الخامدة التي لا تنتشر فيها خارج البوغ إلى الحالة الفعالة)، مما يؤدي إلى تدفق هائل في الجراثيم والذيفانات (السموم الجرثومية) التي تفرزها إلى الدم الأمر الذي يؤدي إلى الموت في 99% من حالات الإصابة.
تُظهر الصورة التالية عدة عُصيّات من الجمرة الخبيثة (اللون الأخضر) يتم تغليفها واحتواؤها بواسطة خلايا مناعية (البالعات: اللون البنفسجي). تعيش جراثيم الجمرة الخبيثة في التربة وتشكل أبواغاً هامدة يمكنها البقاء على قيد الحياة لعشرات السنين. عندما تأكل الحيوانات أو تستنشق هذه الأبواغ، فإن جراثيم الجمرة الخبيثة تعود إلى الحالة النشطة وتتكاثر بشكل سريع.
تم تنفيذ الهجمات الإرهابية عن طريق بعث رسائل تحتوي أبواغ الجمرة الخبيثة لعدة مكاتب إخبارية إعلامية، ولعضوين في مجلس الشيوخ الأمريكي ينتميان إلى الحزب الديموقراطي. كانت حصيلة هذا الهجوم خمسة قتلى وسبعة عشر جريحاً. وتبعاً لمكتب تحقيقات المباحث الفيدرالية الأمريكي فإن التحقيق في هذه الجرائم يعتبر من أصعب التحقيقات التي أجريت في تاريخ هذا المكتب وأكثرها تعقيداً.
في شهر آب من العام 2008 تم الإعلان رسمياً عن النية في توجيه تهم للدكتور بروس إيفينز Dr. Bruce Ivins، لكن الأخير قتل نفسه قبل توجيه التهم رسمياً له.
تتنوع اللقاحات البشرية المتوفرة ضد الإصابة بجرثومة الجمرة الخبيثة، ولكنها غير مستخدمة على نطاق واسع لأن التجارب السريرية على البشر ما زالت غير كافية. اللقاحات محصورة بالعاملين الأكثر عرضة للإصابة بهذه الجراثيم، كالعاملين في مجال دباغة الجلود والعسكريين. أما اللقاحات المستخدمة عند المواشي فهي قديمة ومتنوعة ولا مجال لذكرها بالتفصيل في هذه المقالة.
الجمرة الخبيثة و الموسيقا!
في العام 1981 قام موسيقيون أمريكيون بتأسيس فرقة ميتال موسيقية أطلقوا عليها اسم الجمرة الخبيثة Anthrax. الموسيقي الذي اختار التسمية أرجع سبب ذلك إلى أنه قرأ عن المرض في كتاب علم أحياء، وبأن المرض بدا له "شريراً بما فيه الكفاية".. كم كان محقّاً!. تعتبر الفرقة من رواد النوع الموسيقي المسمى بـ (Thrash Metal).
المصادر: