البيولوجيا والتطوّر > التطور
رغم الاختلاف الكبير .. عيون الحبّار والانسان أقرب مما توقع
تُعد العيون والأجنحة من بين أهم الإبداعات المذهلة التي كونها التطور، وبشكل لافت تطورت هذه الميزات عدة مرات في سلالات مختلفة من الحيوانات. على سبيل المثال، كل من أسلاف الطيور من الطيور و أسلاف الخفافيش من الثدييات طورت أجنحتها بشكل مستقل كمثال على التطور التقاربي convergent evolution.
وقد حدث الشيء ذاته بِالنسبة للعيون عند كل من الحبار والبشر، ولكن كيفية حدوث مثل هذا التطور التقاربي تماماً ليس واضحاً دائماً.
في دراسة جديدة نُشرت في مجلة (Nature Scientific)، وجد الباحثون على الرغم من أنّ الانسان والحبار ينتميان إلى سلالات تطورية مختلفة تماماً، فقد تطورت لديهم العيون من خلال تعديلات على نفس المورثة "الجين".
مثل جميع أجهزة الجسم، العين هي نتاج العديد من المورثات التي تعمل معاً، حيث توفر أغلب تِلك المورثات معلومات حول كيفية تشكيل جزء من العين. فعلى سبيل المثال توفر إحدى المورثات المعلومات لتركيب صبغة حساسة للضوء، بينما توفر مورثة أخرى المعلومات لتركيب العدسة. معظم المورثات التي تشترك في تشكيل العين تشبه معاً قائمة أجزاء، وكل مورثة مسؤولة عن عمل معين. لكن بعض المورثات تُنسّق بدقة بناء العين، فبدلاً من تقديم التعليمات لتكوين جزء من العين، تقدم هذه المورثات معلومات عن مكان وتوقيت ترتيب وتجميع أجزاء العين. وتماشياً مع دورها في السيطرة على عملية تشكيل العين، تسمى هذه المورثات "مورثات التحكم الرئيسية".
ومن أهم مورثات التحكم الرئيسية هذه ما يسمى بـPax6. حيث كان سلف هذه المورثة مُنسقاً ومُوجهاً لتركيب عين بسيطة جداً، مجرد مجموعة من خلايا استشعار ضوئية تعمل معاً لإعلام الكائن الحي البدائي فيما إذا كان خارجاً أو في الظلام أو في الظل.
اليوم، يتواجد إرث هذه المورثة الأوليّة في الكثير من الكائنات الحية وبتنوع لا يصدق، من الطيور والنحل إلى المحار والحيتان، ومن الحبار إلى البشر. وهذا يعني أنّ مورثة Pax6 سبقت التشكيل التطوري لهذه السلالات خلال العصر الكمبري Cambrian أي قبل حوالي 500 مليون سنة مضت. تُوجه المورثة Pax6 الآن تشكيل أنواع متعددة ومذهلة من الأعين. فغير العين البسيطة، إنّ هذه المورثة مسؤول عن الأعين المركبة لدى الحشرات التي تستخدم مجموعة متنوعة من الأجزاء الحساسة للضوء لبناء الصورة الكاملة.
كما أنّ هذه المورثة مسؤولة عن نوع آخر من العيون، وهو ما يسمى ب "العين الكاميرا" التي نتشارك بها نحن البشر مع أنسبائنا من الفقاريات. هذهِ العين هي عبارة عن بنية مُغلقة مؤلفة من القزحية (الجزء الذي يعطي العين لونها)، والعدسة، ووسط داخلي سائل، وشبكية حساسة للضوء. و من أجل إبداع مثل هذا الهيكل الدقيق، أصبحت أنشطة المورثة المسيطرة Pax6 أكثر تعقيداً، وبالتالي زاد عدد التعليمات التي تنشأ من المورثة Pax6.
ومثل كل الموثات، فإنّ Pax6 هو عبارة عن تعليمات موجودة في شفرة الحمض النووي DNA، ومن أجل أن يعمل الرمز أو الشيفرة يجب أن تتم قراءة ال DNA ومن ثم نسخه إلى نوع آخر من الشيفرات هو ال RNA.
المثير في الاهتمام في شيفرة ال RNA أنه يمكن تعديلها، وأحد أنواع التعديل مثلاً يسمى الربط splicing، تتم بواسطته إزالة قطعة من منتصف الشفرة ثُم ربط طرفي القطع معاً من جديد.
الأعجوبة في هذه الألية من الربط هو أنّه يمكن استخدامها لإنتاج نوعين مختلفين أو أكثر من التعليمات من القطعة نفسها من الRNA، وكمثال على ذلك يمكن إنشاء نوعين مختلفين من التعليمات من نفس ال RNA التابع لمورثة Pax6.
وفي دراسة جديدة وجد العالم Atsushi Ogura وزملاؤه من معهد Nagahama للعلوم الحيوية والتكنولوجيا أنّه قد تم استخدام ربط RNA لمورثة Pax6 لتكوين العين الكاميرا في سلالة مفاجئة، حيث أنّه يوجد في سلالة رأسيات الأرجل cephalopods، التي تضم الحبار والأخطبوط. رأسيات الأرجل تمتلك العين نفسها التي تمتلكها الفقاريات (العين الكاميرا) وبنفس الخصائص، والأهم من ذلك أنّ العين الكاميرا لدى رأسيات الأرجل نشأت بشكل مستقل تماماً عن أعيننا. حيث وُجد السلف المشترك الأخير بين رأسيات الأرجل والفقاريات منذ أكثر من 500 مليون سنة.
وبهذا يقدم ربط ال RNA التابع لمورثة Pax6 عرضاً رائعاً لكيفية تشكيل التطور لحلول متماثلة عبر طرق مختلفة تماماً.
المصدر: