البيولوجيا والتطوّر > التطور
عمليات الاستقلاب ظهرت قبل نشوء الحياة
من أكبر الألغاز العلميّة التي تواجهنا عندما نفكر بالبيولوجيا والأحياء هو لغز المرحلة الأولى للحياة على الأرض، المرحلة التي سبقت انطلاقَ عمليات تطوّر الأحياء منذ ما يزيد عن 3.5 مليار سنة ألا وهي مرحلة نشوء الحياة .إنَّ أول خطوة سمحت للخلايا الحية بالظهور بدأت من موادٍ كيميائية بسيطة تُسمَّى التخلّق غير الحيوي (Abiogenesis) ولفهم كيفيّة حدوث هذه المرحلة اقتُرحت عدّة نماذج علميّة ترافقت مع عدّة تجارب داعمةٍ لها، وذلك بتقليد جوّ الأرض البدائي واستخدام العناصر الكيميائية التي كانت متوفّرة آنذاك. هنا
أنشأ فريق من الباحثين نموذجاً يحاكي بيئة أقدم المحيطات في المختبر، ولاحظوا سلسةً من التفاعلات الكيميائية التي تحدث تلقائياً وتستخدمها الخلايا الحيّة لتصنيع مركباتٍ عضوية أساسية ناتجة عن عمليات الاستقلاب. يُمكن أن تكونَ هذه التفاعلات قد حدثت تلقائياً في محيطات الأرض في وقت مبكر من عمر الأرض ما يثير الأسئلة من جديد حول بداية تشكل الحياة! تُمكّن هذه التفاعلات الكائناتِ الحيةَ من تصنيع المركبات الأساسية لعمليات الاستقلاب (بناء الخلايا وهدمها) كالأحماض الأمينية والنووية والدهون وهي مواد أساسية لعملية التمثيل الغذائي عند الكائنات الحيّة جميعاً.
الجدير بالذكر، اكتشاف المستقلب ribose 5-phosphate في خليط التفاعل، إذ يُعدُّ سلفاً للحمض النووي الريبي RNA ما يعني أنَّه قد يؤدي إلى تكوين جزيئات الحمض النووي الريبي التي تحمل بدورها شيفرة المعلومات، وتحفّز التفاعلاتِ الكيميائية والانقسام.
اعتُقد سابقاً أن سلسلةَ التفاعلاتِ الأيضية المعقّدة، المعروفة باسم المسار الأيضي، تحدث في الخلايا الحيّة فقط لحاجتها للأنزيمات (وهي بروتينات معقّدة تتوسّط التفاعلات وتعطيها الطاقة اللازمة)، لكن وجد الباحثون أنَّ التفاعلاتِ المشابهةَ لعملية الأيض حدثت بشكل طبيعي في المحيطات القديمة قبل تطّور الكائنات الحيّة الأولى، فمنذ حوالي 4 مليارات عام بدأت الحياة على الأرض في المحيطات الغنيّة بالحديد التي ملأت سطحَ الكوكب الخالي من الأكسجين آنذاك وكان عنصر الحديد أكثر قابلية للذوبان ما جعله محفّزاً قوياً للتفاعلات الكيميائية، بالتالي يُعدُّ الحديد والفوسفات وبعض المعادن الأخرى المسؤولَ عن تسهيل حدوث التفاعلات البدائية التي تشبه عملياتِ الأيض دون وجود للأنزيمات، وقد لوحظ 29 تفاعلاً كيميائياً مشابهاً لتفاعلات الأيض، منها ما يؤدي إلى تصنيع مركباتٍ أساسيةٍ مثل بروتينات الحمض النووي الريبي.
تشير النتائج إلى أنَّ التمثيلَ الغذائيَّ أو الأيض سبق نشأة الحياة وتطوَّر من خلال الظروف الكيميائية التي كانت سائدة في عالم المحيطات القديمة، ويقول الباحثون أنه في النموذج الذي بُني في المختبر، كانت التفاعلات الأيضية حساسة بشكل خاص لوجود الحديد الذي كان موجوداً بوفرة في المحيطات القديمة ويُسرّع من التفاعلات الكيميائية التي لوحظت.
كانت الظروف التي أنشأها الباحثون في المختبر بناءً على الرواسب المبكرة المذكورة في المؤلفات العلمية التي صنّفت جزيئاتِ الحديد القابلة للذوبان كواحدةٍ من أكثر الجزيئات شيوعاً في المحيطات القديمة. حُضِنت نواتج الأيض المختلفة عند درجة حرارة 50-90˚مئوية، على غرار ما هو متوقعٌ بالقرب من الفتحات الحرارية المائية في البراكين المحيطية التي لاتناسب نشاطَ الإنزيمات البروتينية التقليدية، بعد ذلك فُصلت النواتج الكيميائية وحُلّلت بواسطة المطياف الكتلي والكروماتوغرافيا السائلة (liquid chromatography and tandem mass spectrometry) وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أنَّ البنية الأساسية للشبكة الأيضية الحديثة المعروفة في الخلايا الحيّة ربّما نشأت بتأثير الظروف الكيميائية والفيزيائية التي كانت موجودة على الأرض قبل نشأة الحياة.
قد يروقك أن تقرأ:
الاقتراب من حل لغز نشوء الحياة على الأرض
كيف نشأت الحياة على الأرض؟ خطوة أقرب نحو حل اللغز!
نشأة الحياة وبدايتها لم تكن بالضرورة بحاجة للـ DNA أو الـ RNA
المصدر: هنا