كتاب > روايات ومقالات
قصة مدينتين.. قصة الحب والرعب والشقاء
"لقد كانت أفضل الأوقات، وقد كانت أسوأ الأوقات.." بهذه العبارة الافتتاحية يبدأ الكاتب روايته، ليصف لنا تناقضات تلك الفترة، وعذابات شخصياتها، ولحظات الانسلال التي حظيت بها تلك الشخصيات بين تلك العذابات، أو ربما بالرغم منها. فمع أن قصة الكتاب تحصل خلال الثورة الفرنسية، والتي كانت مشبعة بالعنف والدموية والظلم والقسوة، إلا أن الكاتب استطاع أن يُخرج من هذه المأساة قصة رومانسية خالصة. ولكنه مع كل هذا لا يهمل محيط القصة وخلفيتها، فكانت أحداث الثورة تجري والقارئ يراقبها من الداخل، فلا نكاد نُفلِت أي تفصيل من تفاصيلها الدقيقة، لنعود خلالها إلى الشاعرية في قصة الحب.
المدينتان هما لندن وباريس، والقصة هي تاريخهما قُبيل الثورة الفرنسية وخلالها، والشخصيات هي الجميع، الثائر والحائر والتاجر وكل من صاحبهم. ترافق هذه الرواية التاريخية القارئ في رحلة بين المدينتين، وتعرض خلالها ما يعجن الحياة في كل منهما. فالجريمة في إنجلترا عقابها الموت، سواءً أكانت قتلاً أو سرقة رغيف خبز، وحتى لو كانت الأدلة ضعيفةً جداً كشهادةِ أحدهم يدعي مروره وقت الحادثة.
تقع القصة في ثلاثة كتب، العائد إلى الحياة، الخيط الذهبي، آثار عاصفة. يتناول الكتاب الأول القصة قبل الثورة، حيث نضجت حالة التمرد على الظلم، فلم تعد نفوس الفرنسيين تتحمل ما كانت تعانيه. إلا أن هذه هي الخلفية التي تجري على رقعتها قصة لوسي وجارفي المسافرين إلى سان إنطوان للقاء السيد والسيدة دوفارج. وتتصاعد القصة بحبكتها حتى تصل إلى قُبيل الثورة مع بداية الكتاب الثاني. وتظهر قسوة الحياة الفرنسية متجلية في تصرف الماركيز تجاه دهس عربته لابن أحد الفلاحين وقتله، فيرمي له قطعة نقدية معتبراَ ذلك ديّةً كافية لخسارته. ومع تقدم الأحداث نصل إلى ساعة الصفر، العيد الوطني لفرنسا أو الرابع عشر من يوليو/تموز، يوم اقتحام سجن الباستيل. وبعد أن يكون القارئ قد أذهل من تطور الأحداث في الكتاب الثاني، يأتي الكتاب الثالث ليصف بكل شفافية قسوة العهد اليعقوبي والتي كانت تتجاوز الإعدامات الجماعية لـ"أعداء الجمهورية" لتصل إلى تجريم الحزن عليهم أيضاً، فتأخذ شفرة المقصلة معها الكثيرين، ولا ترحم حتى من نصبوها لقتل الظلّام. وتصبح قسوة الجمهورية بديل قسوة الملكية، ويحاكم الجميع لأقل شبهة، وتتم الإعدامات لمجرد كون المرء من طبقة أرستقراطية. تزداد الأحداث تشابكاً، ويتم الكشف عن بعض ما كان غير بادٍ في الكتابين السابقين. تتوضح الخفايا وتتفكك الحبكة رويداً رويداً.
تنتهي الرواية بكلمات لسيدني كارتون رمز التضحية والوفاء في الرواية والتي يتنبأ فيها، محقاً، بما سيحصل لباريس، حيث ستصبح مدينة جميلة يغيب عنها كل الشر الذي يحيط بها اليوم فيقول: "إن ما أفعله الآن خير ألف مرة مما قدر لي أن أفعله، عمري كله، وإن الراحة التي أمضي إليها خير ألف مرة من أيما راحة قدّر لي أن أعرفها، عمري كله!"
معلومات الكتاب:
الكتاب: قصة مدينتين
المؤلف: تشارلز ديكينز
المترجم: منير البعلبكي
دار النشر: المركز الثقافي العربي
نوعية الكتاب: ورقي 525 قطع متوسط.