الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
مؤخراً: وقفة في ارتفاع حرارة الأرض!
العالم يحترّ، هذا ما يعرفه الجميع.. لكن هذا العنوان العريض ينطوي على كثير من التفاصيل.. فلندخل معاً.
يظهر التحليل الإحصائي لمتوسط درجات الحرارة العالمية بين عامي 1998 و2013 أن هناك تباطؤاً في ارتفاع درجة حرارة الأرض (تبريد). وهذا التبريد يتوافق مع التغيرات الطبيعية في درجات حرارة الأرض، وفقاً لبحث أجراه أستاذ للفيزياء في إحدى الجامعات الكندية.
يخلص البحث إلى أن تذبذب التبريد الطبيعي خلال تلك الفترة يغطي إلى حد كبير على آثار ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن الزيادة المستمرة في الانبعاثات البشرية (سواء من ثاني أكسيد الكربون أو غيره من غازات الدفيئة).
تطبق الدراسة الجديدة منهجية إحصائية طوّرها الباحث ماكجيل McGill في بحث سابق. استخدم McGill في بحثه درجات حرارة "ما قبل الثورة الصناعية"(أواخر القرن الثامن عشر) لتحليل التغيرات التاريخية للمناخ، وتوصل إلى فرضية محتملة بأن الاحترار العالمي* في العصر الصناعي ما هو إلا مجرد تقلبات طبيعية في مناخ الأرض، وذلك بدرجة يقين بلغت الـ 99 %.
في هذا البحث الجديد تم تطبيق نفس المنهج من الدراسة السابقة لفترة 15 سنة ابتداءً بالعام 1998؛ أي في الفترة التي ظلَّ فيها متوسط درجات الحرارة على مستوى العالم عالياً وفقاً للمعايير التاريخية، علماً أن أعقد النماذج الحاسوبية توقعت درجات أكثر ارتفاعاً بناءً على تقدير آثار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
تباطؤ ارتفاع درجات الحرارة خلال فترة الـ 15 عاماً هذه والتي يسمّى أحياناً بالـ "وقفة" أو "الفجوة" في ظاهرة الاحتباس الحراري، أثار أسئلة حول سبب تباطؤ معدل ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بشكل ملحوظ نسبةً إلى ما كانت عليه في العقود السابقة رغم أن مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري كانت آخذةً بالازدياد طوال هذه الفترة. وعليه، يدعي بعض المشككين أن النمط الأخير المستخدم يضعف النظرية القائلة بأن الاحترار العالمي في العصر الصناعي قد نتج إلى حد كبير عن الانبعاثات البشرية الناتجة من حرق الوقود الأحفوري.
تخلص الدراسة الجديدة إلى أن هناك تذبذب تبريدٍ طبيعياً بمقدار 0.28 – 0.37 °م منذ عام 1998، وهو النمط الذي يتماشى مع التغيرات التي تحدث تاريخياً كل 20 إلى 50 سنة. الدليل برأي الباحث أنه بالإمكان الكشف عن الكثير من الأمثلة حول هذه الاختلافات في درجات الحرارة فيما قبل الثورة الصناعية بناء على دلائل مثل حلقات جذوع الأشجار، والعينات الجليدية الجوفية ورواسب البحيرات. يتجنب هذا النهج بفضل اعتماده على سجلات المناخ أي تحيزات قد تؤثر على النماذج الحاسوبية المتطورة التي تستخدم عادة لفهم ظاهرة الاحتباس الحراري. زد على ذلك أن تأثير البرودة الذي لوحظ بين عامي 1998 و2013 يتبع بالضبط توقف الاحترار السابق الذي حصل بين 1992 و1998، لذلك فالتبريد الطبيعي خلال "الوقفة" أو "الفجوة" ليس إلا عودةً للتباين الطبيعي طويل الأمد في درجات الحرارة وبذلك فإن للوقفة تفسير إحصائي.
تركت الدراسة العلماء مقسومين إلى فريقين:
- الأول يطبق نماذج فيزيائية حاسوبية تظهر بالدليل القاطع أن الاحترار نتج عن الأنشطة الإنسانية؛
- الثاني يعتمد على البيانات التاريخية لدرجات الحرارة والتي تثبت أن ما يحصل من ارتفاع في الحرارة بالإضافة لهذه الوقفة ما هو إلا تغيرات طبيعية تتسق مع التباينات التاريخية التي تمر بها الأرض ولا دخل للإنسان وما يفعل بها.
بالاعتماد على النماذج الحاسوبية تمت محاكاة التأثيرات المناخية الناتجة عن شدة ضوء الشمس على الأرض، غازات الدفيئة، الغطاء الجليدي وتغيرات المياه. أدى كل ذلك إلى نتيجة مفادها حدوث احترار عالمي خلال العشرة آلاف سنة الماضية.
لكن بالاعتماد على البيانات وجد أن فترةً من التبريد العالمي بدأت منذ 7000 سنة وانتهت في الوقت الذي بدء فيه البشر بترك بصمتهم عل المناخ.
يدعو العلماء هذه المشكلة في درجات الحرارة بلغز الهولوسين Holocene** نسبةً لاسم عصرنا الجيولوجي الحالي ويؤثر هذا اللغز في كيفية فهمنا لتغيرات المناخ وفي تقييم النماذج المناخية، فضلاً عن المعايير المستخدمة في إنشاء نماذج المناخ المستقبلية. لكن يؤكد العلماء على أن وجود هذا اللغز لا ينفي الدلائل على تأثير الإنسان في المناخ العالمي منذ بداية القرن العشرين.
أي الرأيين هو الصحيح، هل يمكن أن يكون كلاهما مخطئاً؟ في الواقع لكلا الفريقين محاذير يوجهها ضد الآخر؛ فالفريق الأول يدعي أن المشكلة جزئياً هي مشكلة بيانات (التي يعتمد عليها الفريق الثاني)، إذ أن البيانات المذكورة في دراسات سابقة تناقض نفسها أحياناً.
تعتمد البيانات على معرفة درجات الحرارة القديمة بدراسة عينات الجليد والرواسب والعوالق النباتية حيث تعارضت النتائج ضمن نفس المكان أحياناً بسبب أن أخذ العينات البيولوجية من مكامن تحجرت وحفظت في الصيف تعكس تأثيرات مختلفة عن عينات أخرى فيما لو كانت تعود لفترة الشتاء.
رد الفريق الثاني هو بالادعاء بأن المشكلة ما هي إلا مشكلة النموذج المتبع في دراسة الفريق الأول، بسبب وجود بعض الآليات المادية المفقودة. كما لا تتضمن الدراسات الفيزيائية تأثير النشاطات البركانية (ولو أنه لا دليل على أنشطة بركانية ضخمة خلال الهولوسين).
نحن نعلم بارتفاع غاز ثاني أكسيد الكربون خلال العشرة آلاف سنة الماضية بمقدار 20 جزءاً بالمليون عما كان عليه قبل القرن العشرين، كما أن الغطاء الجليدي الهائل الذي ورثناه من العصر الجليدي العظيم قد تراجع. تشير هذه التغيرات الفيزيائية إلى أن متوسط الحرارة العالمي لابد آخذ بالارتفاع حتى لو شهدت بعض المناطق تأثير برودة كما حصل في العصر الجليدي المصغر بين القرنين السادس والتاسع عشر في أوروبا.
يؤمن العلماء إذاً بالإجمال أن القوى الفيزيائية خلال السنوات العشرة آلاف الماضية لم تكن قويةً كفاية لتطغى على تأثير الاحتباس الحراري الناتج عن غازات الدفيئة.
أخيراً وحتى تتبين الحقيقة ... على كلا الفريقين أن يتعمق في دراسته مجدداً ليرى ما هي الحلقة المفقودة. وعلينا نحن أن ننتظر، لكن دعونا ندعو تحسباً إلى التقليل من الانبعاثات فلا نندم بعد فوات الأوان فيما إذا رُجّح أن تكون هي المسبب.
(*) الاحترار العالمي: ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم مع زيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، الميثان، وبعض الغازات الأخرى في الجو. هذه الغازات تعرف بغازات الدفيئة لأنها تساهم في تدفئة جو الأرض السطحي، ضمن ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري
(**) هولوسين: عصر الهولوسين أو العصر الحديث يمثّل الفترة الأخيرة من الزمن الجيولوجي، الذي يغطي 10000 سنة الأخيرة تقريباً من التاريخ الجيولوجي.
مصادر: