الطب > مقالات طبية
لماذا يرتبط مرض الإيدز بالخرَف؟
تتضمن الاضطرابات الإدراكيّة العصبية المرتبطة بالإيدز خللاً في الوظائف المعرفية والقدرات الحركية للمريض، إضافة إلى تغيرات في السلوك. ولم يتم حتى الآن الفهم الكامل لآلية حدوث هذه الاضطرابات، إذ يَفترض العلماء أن ڤيروس الإيدز يتميز بتأثير ضار مباشر على الخلايا، وأنه إضافةً إلى ذلك قادرٌ على تحريض آلية غير مباشرة تؤدي إلى تأذّي الخلايا العصبية. كما يعتقد الباحثون أن الخلايا المناعية التي تتحرّض ضمن الدماغ والنخاع الشوكي بسبب ڤيروس الإيدز تحافظ على مستوى معين من الالتهاب المُزمن ضمن النسيج العصبي للدماغ والحبل الشوكي، مما يؤدي إلى دمار الخلايا العصبية. كما أن التأثيرات الجانبية للعلاجات المطبّقة على مرضى الإيدز قد تساهم أيضاً في إلحاق الضرر بالخلايا العصبية في الدماغ.
الخطوات الأولى للإصابة بHIV تُعتبر كافية لحدوث الضرر:
يتجاوز ڤيروس الإيدز الحاجز الدموي الدماغي* متطفلاً على الخلايا المناعية التي يكون قد أصابها (وحيدات النوى والخلايا التائية). وقد قام باحثون في جامعة Ruhr-Universitaet-Bochum الألمانية باختبار النظرية القائلة بأن وحيدات النوى المصابة بHIV تُحرّض نوعاً من الخلايا المناعية ضمن الدماغ (خلايا الدبق العصبي الصغيرة)، والتي تستجيب بدورها بتحرير مواد ضارة مثل بعض مستقلبات الأوكسجين والوسائط الالتهابية (السيتوكينات). حيث طوّر الباحثون نظام زرع خلوي لفحص تأثير الخلايا وحيدة النواة المصابة بڤيروس الإيدز على خلايا الدبق العصبي الصغيرة.
بهذا، تمّت محاكاة خطوات الإصابة بڤيروس الإيدز، ومن ثم قياس كمية الستوكينات المفرزة في كل خطوة، وبالتالي استطاع الفريق برهنة أن خطوة دخول الحمض النووي الريبي RNA الخاص بالڤيروس إلى داخل الخلية (أثناء إصابتها بالڤيروس) تعتبر عاملاً كافياً لتحريض نشاط خلايا الدبق العصبي الصغيرة للدرجة القصوى، وأن الخطوات التالية من إصابة الخلية بڤيروس الإيدز (مثل النسخ العكسي للRNA الڤيروسي إلى DNA، والتشكّل التالي لبروتينات الڤيروس ضمن الخلية المصابة) لم يكن له دور في زيادة فعالية الخلايا الدبقية الصغيرة.
المواد المتحررة من الخلايا الدبقية الصغيرة الفعالة تؤدي إلى موت الخلايا العصبية:
في المرحلة التالية، قام الباحثون باستخراج خلايا عصبية من أدمغة الجرذان لتحديد ما إذا كانت المواد المتحررة من الخلايا الدبقية الصغيرة الفعالة تؤدي إلى إحداث موت خلوي. وبالمقارنة مع المجموعة الشاهدة (أي مجموعة أخرى من الجرذان في التجربة، والتي لم يتم تحفيز الخلايا الدبقية الصغيرة لديها)، كان عدد الخلايا المتموّتة في المجموعة الأولى (ذات الخلايا الدبقية الفعّالة) أكبر بمقدار الضعف. كما أظهرت الدراسات المُجراة على السائل الدماغي الشوكي للأفراد المصابين بالإيدز وجود علاقة واضحة بين الإصابة بالإيدز من جهة، وتحلّل وموت الخلايا العصبية من جهة أخرى، حتى عند المرضى الذين لم تظهر عليهم حتى الآن أيّة أعراض لاضطرابات عصبية-معرفية.
الفهم العميق لما سبق ضروري للوصول إلى استرتيجيات علاجية جيدة:
يعلّق البروفيسور Andrew Chan على نتائج هذا البحث قائلاً: "بفضل بحثنا هذا، اكتسبنا فهماً أفضل لآلية التَمَوُّت العصبي المرتبط بالإصابة بڤيروس الإيدز. ومن المعتقد أن هذه النتائج ستساعد في تطوير واسمات حيوية biomarkers (مواد أو مؤشرات قابلة للقياس في تحاليل الدم أو غيرها من التحاليل الطبية) للكشف عن الإصابة بالاضطرابات العصبية المعرفية المرافقة للإيدز. وعلى المدى البعيد، ستُستخدم هذه البيانات في تطوير استراتيجيات علاجية تهدف إلى إبطاء تطوّر هذه الاضطرابات المعرفية لدى مرضى الإيدز".
و لعلّ فهم نتائج عملية تحريض الخلايا الدبقية الصغيرة يمثّل الخطوة الأولى نحو فهم أشمل لهذه الاضطرابات، خاصةً إذا علمنا أن لهذه الخلايا الدبقية دوراً كبيراً في نشوء أمراض مناعية ذاتية أخرى تصيب الجهاز العصبي المركزي، كمرض التصلّب المتعدد MS على سبيل المثال.
من الجدير بالذكر أن هذه الأبحاث لن تقف عند هذا الحد. حيث أن هناك دراسة لاحقة تنتظر التمويل من الاتحاد الأوروبي تهدف إلى إجراء تحليل عميق للآلية الالتهابية ضمن الجهاز العصبي المركزي. وسيحاول الباحثون خلال هذا الدراسة كبح الآلية الالتهابية باستخدام أدوية مختلفة. كما أنهم يخططون لدراسة التفاعل المباشر بين الخلايا باستخدام مجهر متطور وحديث، وذلك بالتعاون مع جامعة ستراسبورغ في فرنسا.
*الحاجز الدموي الدماغي:
مصطلح يطلق على مجمل جدران الأوعية الدموية الموجودة في الدماغ، والمُبطّنة بطبقة من الخلايا البطانية المتراصّة بإحكام، والتي تكون محاطة بخلايا ذات شكل نجمي. وهو الحاجز الذي ينظّم عملية تبادل المواد بين الدم والدماغ.
المصدر:
مصدر الصورة: