الفيزياء والفلك > فيزياء
نيلز بور (1885- 1962)
ولد نيلز بور في مدينة كوبنهاغن بالدانمارك في السابع من تشرين الأول لعام 1885. والده كان بروفيسوراً في علم النفس بجامعة كوبنهاغن، و والدته إيلين إيدلر بور تنحدر من عائلة ثرية معروفة في مجال البنوك والسياسة، لذا فقد نشأ بور في عائلة ثرية و علمية أدت إلى نمو ذكائه ونبوغه، و قد كان لوالده دور هام في تنمية وعيه لأهمية الفيزياء.
دخل بور مدرسة غاميلهولم اللاتينية منذ السابعة من عمره. وفي العام 1903 سجل بور في جامعة كوبنهاغن، باختصاص الفيزياء تحت إشراف البروفيسور كريستيان كريستيانسن، البروفيسور الوحيد في الجامعة باختصاص الفيزياء آنذاك، كما درس الرياضيات بإشراف البروفيسور ثورفالد ثيل، والفلسفة بإشراف البروفيسور هارالد هوفدينغ صديق والده.
في العام 1905 حاز بور على الميدالية الذهبية في مسابقة أجرتها الأكاديمية الدانماركية للعلوم بعد تطويره لطريقة قياس التوتر السطحي للسوائل المقترحة عام 1879 من اللورد رايلي. في ذلك الوقت لم يكن في الجامعة مخبر لإجراء التجارب الفيزيائية، فاستخدم بور مخبر والده لإجراء التجارب، و صنع بنفسه أوان زجاجية خاصة به، و أنابيب اختبار ذات مقطع عرضي إهليلجي معين، فتجاوز بإبداعه حدود النظرية المطروحة من قبل رايلي وطريقته في الحل.
في العام 1909 حاز بور على درجة الماجستير في الفيزياء عن عمله في النظرية الإلكترونية للمعادن، والتي قام بتوسيعها في أطروحة الدكتوراه والتي حاز شهادتها في العام 1911. في خريف العام 1911 أقام في كامبريدج حيث التحق في جامعتها ليعمل كفيزيائي تجريبي في مختبر كافيندش بإشراف السير جوزيف تومسون، متابعا في الوقت نفسه دراساته النظرية. و في العام 1912 عمل في مختبر البروفيسور رذرفورد في مانشستر، و كانت هذه السنوات هي أكثر سنوات حياته غزارة في نشاطه العلمي وذلك في تتبع ظاهرة النشاط الإشعاعي آنذاك، وقد أدى عمله إلى نشر أوراقه الثلاث في مجلة الفلسفة والتي شرح فيها دمج نظرية رذرفورد في البنية الذرية مع نظرية الكم لماكس بلانك، منتجا بذلك نموذجا خاصا به دعي: نموذج بور في بنية الذرة، محدثا تغيرا جذريا لنظرة العالم حول بنية الذرة مستنداً إلى فهم عميق وحدس فيزيائي عالٍ.
في العام 1917 بدأ بور حملة لإنشاء معهد للفيزياء النظرية، فحصل على دعم الحكومة الدانماركية و مؤسسة كارلزبيرغ إضافة لإسهامات بسيطة من بعض الصناعيين، و افتتح المعهد المعروف باسم معهد نيلز بور في الثالث من آذار للعام 1921 وعين بور مديرا له حتى وفاته. حاز بور في العام 1922 على جائزة نوبل في الفيزياء لقاء عمله في النظرية الذرية. طور بور نظريته في ميكانيك الكم و تحديدا بإيجاد مبدأ التتامية والذي استطاع بموجبه أن يظهر مدى عمق التغيرات التي أحدثتها النظرية الجديدة في الفيزياء ليس في فقط في ميدان الفيزياء وإنما في مختلف مجالات المعرفة البشرية. خلال الحرب العالمية الثانية هرب بور إلى السويد ومنها إلى الولايات المتحدة حيث عمل في مشروع مانهاتن الذي نتج عنه أول القنابل النووية. كرس بور بعدها حياته للعمل على التطبيقات السلمية للطاقة النووية.
من الجدير بالذكر أن النظرية الكمومية الجديدة أحدثت جدلا واسعا في الأوساط العلمية لاستنادها إلى مبدأ الشك ( الذي أوجده هايزنبرغ )و الاحتمالات الرياضية، وتظهر غرابة النظرية الجديدة في مقولات بور الشهيرة : " إذا لم تصدم بالميكانيك الكمومي، فأنت لم تفهمه " إضافة لقوله " إن كل ما ندعوه حقيقي مبني على أشياء لايمكن اعتبارها حقيقية"، مادفع علماء الفيزياء حينها إلى عقد مؤتمر سُمّي بمؤتمر كوبنهاغن في العام 1934 حيث انقسم العلماء إلى فريق مؤيد للنظرية الجديدة وهم نيلز بور وفيرنر هايزنبرغ وآخرون مقابل الفريق المعارض وعلى رأسهم آلبرت آينشتاين الذي قال مقولته الشهيرة : إن الله لايلعب النرد. مشيرا بشكل واضح إلى اعتراضه على الأسس الفلسفية للنظرية الجديدة. إلا أن مؤيدي الميكانيك الكمومي أثبتوا وجهة نظرهم في النهاية وحاز التفسير الجديد للنظرية على أجماع أوسع.
بقي عقل بور متقداً حتى أيامه الأخيرة، فقد أظهر اهتماما كبيراً في آخر سنوات حياته في تطوير البيولوجيا الجزيئية، فقد ظهرت الصيغة النهائية لأفكاره حول مسألة الحياة في مقاله الأخير والذي لم يستطع إكماله، و نشر بعد وفاته بعنوان : إعادة النظر في الحياة و الضوء. توفي بور في كوبنهاغن في 18 من تشرين الثاني لعام 1962، تاركا أعظم الأعمال في الفيزياء وغيرها من العلوم.
المصدر: هنا