الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء
حوار السلاحف
تعتبر السلاحف من أقدم مجموعات الزواحف الحية الموجودة في أنحاء العالم، فقد أُجريَت عليها دراسات عديدة ويعرف العلماء تاريخها التطوري المتنوع، معدلات التمثيل الغذائي لديها والطرق التي يتم بها تحديد الجنسين، ولكن شيئاً واحداً لفه الغموض ولم يتم التأكد منه حتى وقت قريب جداً، وهو أن السلاحف تستطيع أن تتواصل صوتياً ... بتعبير آخر يمكنها أن تنطق فيما بينها!
نُشِرت دراستان جديدتان مؤخراً تناولتا نوعين من السلاحف، وقد أثبتت هاتين الدراستين حقيقة وجود التواصل الصوتي لديها، سواء عند التكاثر أو عند التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، واتضح أن التشكيلات الصوتية التي تصدرها السلاحف كثيرة ومتنوعة.
قد يتساءل البعض ... لماذا لم يكتشف الباحثون هذا الجانب في سلوك السلاحف من قبل؟
يفسر عالِم الزواحف ريتشارد فوغت ذلك بالرجوع إلى بعض ما نشر حول الزواحف عام 1950، فقد ادعي آنذاك أن السلاحف كانت صماء وبالتالي فهي لن تطلق أصواتاً! لكن ريتشارد لم يتفاجأ عندما اكتشف هو وزملاؤه أن السلاحف تطلق الأصوات لاشتباهه بذلك منذ فترة طويلة.
لاحظ ريتشارد أثناء تصوير فيلم سينمائي عن مغازلة السلاحف في منتصف عام 1970 أن الذكور كانت تفتح أفواهها وتغلقها بينما كانت تدغدغ الإناث أثناء التزاوج، وهو تصرف يثير التساؤل .. لماذا قد تفتح فمها أثناء التزاوج!! إذا كانت لا تحاول العض، هل من المعقول أنها تتواصل بالصوت فيما بينها؟!
لاحق ريتشارد فضوله، وقام بالتحقيق في هذه الظاهرة مع أحد طلابه في وقت لاحق أثناء دراسته السلاحف في نهر الأمازون. استعمل معدات تسجيل تعمل تحت الماء وقام بتثبيت سماعة مائية بالقرب من أعناق السلاحف في الأحواض المائية عندها تأكد حقا أنها تصدر الأصوات، وهو يعزو جزءاً من السبب في تأخر هذا الاكتشاف إلى القيود التكنولوجية، بالإضافة إلى حقيقة أن الأصوات التي تصدرها السلاحف منخفضة وهادئة وتقع تردداتها في أدنى المجال المسموع الذي تستطيع الأذن البشرية أن تلتقطه، لذلك من الصعب على الناس الذين تزيد أعمارهم عن الـ 40 أن يسمعوها بينما قد يتمكن الشبان من أن يلتقطوا صوت سلحفاة صغيرة خرجت لتوها من العش.
من السهل إذاً أن نغفل عن تلك الأصوات، بسبب كونها نادرة وذات تردد منخفض، فأي حركة بسيطة من شخص ما، تعتبر ضجيج كافياً لحجب أصوات السلاحف عن الناس.
أجريت الدراسات على نوعين مختلفين جدا من السلاحف:
- سلاحف نهر الأمازون العملاقة (Podocnemis expansa)،
- والسلاحف البحرية جلدية الظهر (Dermochelys coriacea).
سلحفاة نهر الأمازون العملاقة واحدة من أكبر سلاحف المياه العذبة في العالم، وغالباً ما يصل طولها إلى المتر ووزنها بحدود 65 كغ. وهي اجتماعية جداً، حيث تجتمع الإناث في مجموعات كبيرة لوضع البيض على طول ضفاف النهر، لهذا السبب فهي عرضة للصيد غير المشروع.
أما السلاحف البحرية جلدية الظهر فهي أكبر السلاحف الحية الآن، متوسط طولها 2.2 م، ومتوسط وزنها 380 كغ حيث تعد رابع أثقل أنواع الزواحف. تنتمي أكبر سلحفاة في العالم لهذه المجموعة بطول يصل لأكثر من ثلاثة أمتار، ووزن 916 كغ (أكثر وزناً من بعض السيارات الصغيرة).
بالعودة إلى موضوع نطق السلاحف -إن صح التعبير- فقد وجدت الدراسات أن كلا أفراد النوعين تتواصل صوتياً عند التفقس، وهناك اعتقاد مفاده أن جميع الأنواع تصدر أصواتاً أيضاً عندما تفقس كما يعلو صوتها تحت الماء إلى حد ما، وهي تفعل ذلك لتنسيق التفقيس فيما بينها، كما أن لبعض الأنواع الأكثر اجتماعية تواصلاً صوتياً أوسع.
تبدأ السلاحف الصغيرة بإصدار الأصوات وهي لا تزال في بيوضها، خلال الأيام العشرة السابقة للتفقيس لتحفيزه بشكل متزامن مما يهيئ لها مغادرة أعشاشها سوية، وتستمر في التواصل الصوتي حتى دخولها إلى الماء.
لكن لماذا تطور هذا السلوك عند السلاحف؟
إن الانبثاق من العش ومغادرته في حشد جماعي يتيح النجاة للسلاحف الصغيرة والبقاء على قيد الحياة في الدقائق الأولى من حياتها المحفوفة بالمخاطر، فبدون وجود أي دفاعات أخرى تكون السلاحف حديثة التفقيس سهلة الالتقاط من قبل الحيوانات المفترسة الجائعة، لكن عندما تغادر كل السلاحف الصغيرة العش في وقت واحد، فان التواصل أثناء هجرتها في مجموعات متماسكة سيجعلها في وضع أكثر أماناً من محاولتها المغادرة لوحدها.
تمتلك سلاحف نهر الأمازون العملاقة حافزاً إضافياً للتواصل الصوتي، فصغارها تستجيب لأصوات معينة تطلقها الأمهات من أجل الهجرة مع الإناث البالغة الكبيرة بعيداً عن شواطئ التعشيش إلى مناطق التغذية والتي تبعد عن الشواطئ من 70 إلى بضعة مئات من الكيلومترات.
تظهر مع هذه النتائج الجديدة أسئلة ومخاوف جديدة، فالتلوث الضوضائي في الشواطئ قد يؤثر على قدرات صغار السلاحف التي فقست للتو في سماع بعضها البعض ومزامنة الفقس بينها، مما يجعلها أكثر عرضة للمفترسات. بالإضافة إلى الانخفاض في عدد تجمعات السلاحف في جميع أنحاء العالم، مما سيقلل من فرص السلاحف في البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل.
المصادر:
مصدر الصورة: