الطب > مقالات طبية
الاضرار طويلة الأمد للكحول على أعضاء الجسم الرئيسية
يحتل الكحول المرتبة الخامسة في عوامل الخطر المسببة للوفاة أو الإعاقة، ويعدّ مسؤولاً عن عدد هائل من الأمراض الحادة والمزمنة. ورغم وجود بعض الدراسات التي تقول بوجود بعض الفوائد للمشروبات الكحولية، إلا أنّ الأضرار التي تسببها هذه المشروبات على المدى القريب والبعيد تتجاوز الفوائد بأضعاف.
سنتحدث في هذا المقال عن آخر وأحدث الدراسات التي تناولت هذا الموضوع واحتوت على عدد كبير من المشاركين، وتم نشرها في أقوى المجلات العلمية وأكثرها مصداقيةً...
سنتحدث في البداية عن أثر الإفراط في الشرب لمرة واحدة بدون إدمان... نشرت صحيفة plosone العلمية في شهر أيار الماضي دراسةً تحدثت عن الآثار السلبية التي يسببها الإفراط بالشرب، حيث لوحظ أنّ الإفراط في الشرب ولو لمرة واحدة فقط من الممكن أن يؤثر سلباً وبشكل كبير على الصحة، مؤدياً إلى ارتفاع خطر تسرب الجراثيم (االبكتيريا) من الأمعاء إلى الدم، وبالتالي ارتفاع مستوى السموم أو الذيفانات toxins التي تفرزها تلك الجراثيم في الدم.
وقد أظهرت الدراسة أنّ هذه السموم البكتيرية المسمّاة بالذيفانات الداخلية تؤدي إلى تحفيز الخلايا المناعية التي تلعب دوراً في إحداث الحمّى والالتهابات وتخرّب الأنسجة.
(تحدثنا سابقاً عن هذه الدراسة بالتفصيل: هنا )
نُشرت العديد من الدراسات التي قالت أن الاستهلاك الخفيف للكحول (لا يزيد عن كأس واحدة يومياً) يخفض من احتمال الإصابة بأمراض القلب، إلّا أن معظم هذه الدراسات احتوت على عينات صغيرة نسبيّاً، ولم تكن فترة متابعة المشاركين فيها طويلة...
وفي هذا الموضوع، نشرت صحيفة BMJ في شهر تموز الماضي مراجعة منهجية قامت بها المؤسسة البريطانية للقلب British Heart Foundation ومجلس الأبحاث الطبية Medical Research Council، وأشرف عليها حوالي 155 باحثاً من أنحاء العالم. قاموا بمراجعة 56 دراسة احتوت بمجموعها على أكثر من 260 ألف مشارك، ثم قاموا بإجراء تحليل بعدي meta-analysis لهذه النتائج، فوجدوا أنه مهما كان استهلاك الكحول خفيفاً، فإن التقليل من هذا الاستهلاك مفيدٌ لصحة القلب. حيث أدى تقليل استهلاك الكحول إلى خفض خطر الإصابة بداء القلب التاجي Coronary Heart Disease بحوالي 10%، وخفض ضغط الدم، وتقليل مؤشر كتلة الجسم BMI ...
وختم الباحثون دراستهم بالقول: "حتى بالنسبة لمن يستهلكون الكحول بشكل خفيف، فإنّ التقليل من هذا الاستهلاك قد يحسن صحة القلب".
ولا يقتصر أثر الكحول على صحة القلب، وإنما يمتد ليصل إلى كافة أعضاء وأجهزة الجسم. وفي هذا الموضوع، نشر المعهد الوطني لإساءة استخدام الكحول والإدمان عليه NIAAA التابع للمعهد القومي للأبحاث الصحية في الولايات المتحدة NIH كتيّباً يلخص الآثار البعيدة لاستهلاك الكحول على أعضاء وأجهزة الجسم، وسنذكر منها أثره على خمسة أعضاء رئيسية:
1. القلب:
يؤدي تناول الكحول على المدى البعيد إلى العديد من المشاكل القلبية التي تتضمن: اعتلال عضلة القلب، اضطراب النَّظم القلبي (أي عدم انتظام ضربات القلب)، السكتات القلبية، ارتفاع ضغط الدم، التعب.
2. الدماغ:
من المعروف شعور السعادة الذي يصاحب تناول الكحول، وتغيّر المزاج والتصرفات وطريقة التفكير، وذلك بسبب تأثيره على دارات الدماغ والنواقل العصبية. أما على المدى البعيد، فقد يسبب الاكتئاب والتوتر وضعف الذاكرة وحدوث النوبات. كما يؤدي الإدمان على الكحول، إذا ما ترافق مع سوء التغذية، إلى حدوث "متلازمة فيرنيكيه كورساكوف Werincke-Korsakoff syndrome" التي تحدثنا عنها في سلسلة المتلازمات، والتي تتميز باضطراب ونقص في النشاط العقلي قد يتطور للغيبوبة والوفاة، وكذلك فقدان الذاكرة والخرف وغيرها من الأعراض...
3. الكبد:
يعتبر الكبد من الأعضاء التي يؤثر عليها الكحول بدرجة كبيرة، فالإفراط في استهلاك الكحول يؤدي إلى عدد كبير من أمراض الكبد التي تتضمن: التنكّس الدهني للكبد steatosis ، والتهاب الكبد، وتليّف الكبد fibrosis، وتشمّع الكبد cirrhosis.
يعاني حوالي مليونا شخص في الولايات المتحدة من أمراض الكبد المرتبطة بالكحول، وقد احتلّ تشمّع الكبد المرتبة ال 12 في أسباب الوفاة لعام 2009.
4. البنكرياس:
يؤدي الإفراط في الكحول إلى حدوث التهاب البنكرياس الذي تصل أعراضه إلى الوفاة...
5. الكلى:
يعمل الكحول كـ "مدرّ بول" فلا تستطيع الكلى أداء وظيفتها في المحافظة على توازن سوائل وشوارد الجسم (الصوديوم، والبوتاسيوم، والكلور...). هذا الاختلال في توازن الشوارد سيؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم، وقد يؤدي إلى حدوث فشل كلوي.
لقراءة تفاصيل أكثر عن آثار الكحول البعيدة على الجسم يمكن مراجعة الكتيّب كاملاً على الرابط:
الكحول وعلاقته بالصحة الجنسية:
بالنسبة لعلاقة الكحول بالصحة الجنسية، فسنذكر آخر دراسة في هذا المجال والتي نشرتها صحيفة BMJ في تشرين الأول 2014.
يقول القائمون على الدراسة أن الاستهلاك المعتدل للكحول ارتبط بتغيّر في مستويات الهرمونات الذكرية، وضعف الحيوانات المنوية وقلّة جودتها من حيث الحجم والشكل، إلى جانب قلّة عددها في السائل المنوي. كما لاحظوا أن هذه الآثار ازدادت وضوحاً كلما زاد معدّل استهلاك الكحول. ففي بعض الحالات مثلاً، أصبح عدد الحيوانات المنوية أقل بنسبة 33% وعدد الأشكال الطبيعية أقل بنسبة 51% من الرجال الطبيعيين. لذا ختم الباحثون دراستهم بنصيحة الشباب ألّا يعتادوا على تناول الكحول حفاظاً على صحتهم الجنسية.
ماذا عن علاقة الكحول بالسرطان؟
أما عندما نتحدث عن السرطان، فهنا نستطيع القول بكل ثقة " لا يوجد كمية آمنة لتناول الكحول" هذه هي الجملة التي خُتم بها تقرير الوكالة العامة لأبحاث السرطان IARC التابعة لمنظمة الصحة العالمية لعام 2014. حيث أنه مهما كان استهلاك الكحول منخفضاً فإنه سيؤدي إلى ارتفاع احتمال الإصابة بأحد أنواع السرطان، هذا ماقالته المراجعة التي نشرتها oxford والتي شملت 222 دراسة تضمنت بمجموعها 92 ألف مشارك يستهلكون الكحول بشكل خفيف، و60 ألف مشارك لا يتناولون الكحول أبداً.
ولخصت هذه الدراسة نتائجها بالقول أن الاستهلاك الخفيف للكحول يزيد من خطر الإصابة بسرطان كل من التجويف الفموي والبلعوم والمري والثدي...
أما عن الاستهلاك المفرط، فهو يزيد من خطر الإصابة بالسرطانات السابقة، كما يسبب العديد من الأنواع الأخرى للسرطان، مثل سرطانات الكبد والكولون والمهبل والجلد وغيرها... ومازالت الدراسات قائمة لبحث علاقة الكحول بأنواع السرطان الباقية.
في شهر نيسان الماضي، نشر المعهد القومي للأبحاث الصحية في الولايات المتحدة NIH تقريراً تحدث فيه عن العلاقة بين الإدمان على الكحول وضعف العضلات، وشرح الآلية التي تؤدي إلى هذا الضعف. وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في مقال سابق (هنا).
وبسبب هذه الأضرار وغيرها، فقد احتل الإفراط في تناول الكحول مركزاً متقدّماً بين الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة المبكرة. فحسب التقرير الذي نشره مركز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة CDC في حزيران الماضي، يعتبر الكحول مسؤولاً عن 10% من حالات وفيات الشباب والبالغين في الولايات المتحدة.
وفي النهاية، فإننا لا ندّعي أن الكحول يخلو تماماً من أية فوائد، فهو في الحقيقة يمتلك العديد من الفوائد المثبتة علمياً والتي تحدثنا عن بعضها سابقاً. ولهذا فإننا نترك للقارئ تقييم الفوائد والأضرار واتخاذ القرار. ودمتم بصحة...
المصادر: