الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
أساطير التكوين المصرية
من المعروف أن عبادة الشمس كانت هي العبادة الأساس في ديانات المصريين القدماء، ولكن إلى جانب هذه الأسطورة الرسمية كان ثمة أساطير أكثر قدما، حيث لم يكن الدور الرئيسي فيها من نصيب الشمس "رع". وفي مقالنا هذا سنعرض بشكل موجز تشكيل الكون تبعاً لعدد من تصورات المدارس المصرية القديمة، ثم سنقدم الأسطورة الرسمية لنرى كيف تأمل المصريون الكون والطبيعة من حولهم.
سنبدأ أولاً مع مدرسة ممفيس، حيث تجسد الكون لديهم بالإله الرئيسي"بتاح" الذي خلق الآلهة وكل ما هو موجود في الكون الآن بقوة الإرادة، وكانت كل مخلوقاته تمثل صفاته وماهيته وخاصيته.
أما مدرسة طيبة، فقد تبعت الأسطورة التي فسرت الكون تبعا للثالوث الطيبي المتمثل بـ (إله الخصب أمون وزوجته موت وابنهما فونسو الذي يجسد أطوار القمر).
في حين أن مدرسة "هرموبوليس" تعمقت أكثر، فقد كان الكون لديها يتبع إلى ثماني آلهة ظهروا مرة واحدة في المحيط وشكلوا منذ ظهورهم ثنائيات زوجية تمثلت في: نون وناونيت،خوخ وخاوخيت (يرمزان إلى رمزية تجدد الخلق)، كوك وكاوكيت، توت ومعات. أما الثالوث لديهم فكان "رع وخيبري وسوبديت" ليصبح لاحقاً [خيبري (الشمس المشرقة)، رع (شمس منتصف النهار)، أتوم (الشمس الغاربة)].
"أعلن الاله أتوم: ليس لي أب وليس لي أم، ولقد خلقت نفسي من مياه المحيط وأنا الإله الأول في الكون وسوف أخلق الآلهة الأخرين".
ثم أخذ المحيط يتراجع لتظهر قطعة اليابسة "بين -بين"، وهنا أخذت تنويعات الأسطورة تتباعد حيث وحسب إحداها فقد تشكلت بيضة على الهضبة من الماء والتراب وخرجت منها الشمس على صورة طير، وأخرى تقول بأن أوزة حطت أولاً وهي من وضع البيضة، وأخرى تقول بأن إله الشمس ولد من البقرة، أما أحدثها فهو تلك التي تقول أنه ظهر من زهرة اللوتس التي نبتت على الهضبة البدئية.
أما تصورات مدرسة "هليوبوليس" والتي تعتبر الأسطورة الرسمية، رأت أن المحيط "نون" كان مياهاً ممتدة بلا حدود تحتوي على بذور الممكنات كلها التي أنجبت إله الشمس "رع"، الذي أقام في حضن المحيط "نون" تحت اسم "أتوم"، ولكي يحمي ضياءه من الانطفاء كان يبقي عينيه مغلقتين ويحيط نفسه بحوض من أزهار اللوتس الى أن جاء يوم وتعب فيه من حالته الكمونية فنهض بإرادته الخاصة من الهوة وتجلى تحت اسم "رع"، وأنجب دونما شريك "شو" الهواء وهو الذي يدعم السماء من أن تقع، و"نفتوت" الرطوبة، الذين أنجبا لاحقا "جيبط" الأرض، و"نوت" السماء، الذين أعلنا اتحادهما وأنجبا خمس أولاد هم "اوزيريس" وإيزيس" و"سيت" و"نفتيس" و"حورس الأكبر".
وهكذا نجد أن هناك رابطاً يجمع هذه الأساطير حيث نجد أن بداية الكون تعود في جميعها إلى الماء الذي أنجب الحياة وأعطى الولادة من خلال الثنائيات الزوجية إله وإلهة، كما نجد أن الوجود تكون بفعل القوى المتعارضة، فأولا لم يكن هناك سوى المحيط لذا كان لابد من خلق اليابسة التي تجسدت بهضبة "بين بين"، وللقضاء على السكون والفراغ والظلام كان لا بد من وجود الشمس لاحقاً متمثلة بالإله "رع".
"جمع الآلهة ثلاثة في واحد ولا ثاني لهم
أمون ورع ، وبتاح،
فهو الخفي باسمه امون،
وهو الظاهر باسمه رع،
وهو المتجسد باسمه بتاح"
ومن هذه الترتيلة المصرية القديمة نجد أنه وعلى الرغم من اختلاف الأسماء، لكنها كانت تحمل المكنون ذاته وهنا تتجسد الوحدانية الالهية المتجسدة في الإله الذكر الذي جسد صورة الخالق والحاكم لاحقاً وسيطر على الكون ومكنوناته بقوته.
المصادر:
أسرار الآلهة والديانات، أ.س ميغوليفسكي
مدخل الى نصوص الشرق القديم، فراس السواح
الرحمن والشيطان، فراس السواح
أسرار الفيزياء الفلكية والميثولوجيا القديمة، س.بريوشينكين
Egyptian Meth and Legend، Donald Mackenzie
مصدر الصورة: هنا