الطب > علوم عصبية وطب نفسي
الدماغ في طريقه للانكماش.. كيف السبيل لإيقافه؟
العلم هو غذاء العقل وسرّ قوته، فهل سيساعدنا لإيقاف انكماش أدمغتنا وتعزيز قدراتنا الذهنية؟
قد يبدو مصطلح (انكماش الدماغ) للوهلة الأولى غريباً ومخيفاً بعض الشيء، إلا أنّ بعض الأدوية والعادات السيئة إضافة إلى قلة النشاط العقلي قد تسهم في حدوثه. يتظاهر انكماش الدماغ بتراجع في الذاكرة وصعوبة في التفكير وتحليل الأمور بمنطقيّة. إلا أنه من خلال حل بعض التمارين الذهنية والعقلية يومياً إلى جانب تغيير بعض عاداتنا السيئة نستطيع منح أدمغتنا فرصة أكبر لمقاومة خطر الانكماش. فما الذي نستطيع فعله؟
في البداية لا مفرّ من ضرورة أخذ قسطٍ وافرٍ من النوم كل ليلة ،حيث تبيّن أنّ عدم النوم لمدة لا تقل عن 6-8 ساعات يومياً سيؤدي مع مرور الوقت إلى انكماش المادة الرمادية في الدماغ، وذلك وفقاً لدراسة حديثة تم نشرها في مجلة علم الأعصاب Journal Neurology، إذ طُلِب من المتطوعين في هذه الدراسة الإجابة عن أسئلة متعلقة بجودة ونمط نومهم ومدى شعورهم بالنعاس في النهار. وسطياً ظهر أنّ المتطوعين يستغرقون 20 دقيقةً لكي يغُطّوا في النوم العميق، كما ظهر أنّهم ينامون بمعدلٍ وسطيّ مقداره سبع ساعاتٍ كل يوم. ولكن وجد الباحثون أنّ الذين لا يحصلون على نوم جيد يعانون من انكماشٍ أو تقلصٍ في قشرة أدمغتهم الأمامية، بالإضافة إلى ضمور ثلاثة أجزاء أخرى من الدماغ مسؤولةٍ عن العديد من الوظائف منها التفكير المنطقي والتخطيط والذاكرة وحلّ المشاكل.
يتألف الدماغ من مادةٍ رمادية ومادة بيضاء. وتشغل المادة الرمادية قسماً كبيراً من الجهاز العصبي المركزي، حيث تتوضّع فيها أغلب خلايا الدماغ العصبية المسؤولة عن الحواسّ كالرؤية والسمع والنطق. أما المادة البيضاء فقد اكتسبت هذا الاسم بسبب تغطية الخلايا العصبية بغمد النخاعين (أو الميالين myelin) ذي اللون الأبيض، والذي يفيد في زيادة سرعة الرسائل العصبية ضمن الدماغ. في حين أنّ المادة الرمادية هي المسؤولة عن معالجة المعلومات أثناء انتقالها عبر الألياف العصبية وحتى تصل إلى هدفها.
في الحقيقة، يساعد انكماش الدماغ على مقاومة بعض الاضطرابات العقلية عند مرضى الذُّهان أو الفُصام عن طريق تقليل نشاط التفكير لدى المريض، وهذا هو السبب وراء كون الأدوية المضادة للذُّهان antipsychotics (مجموعة من الأدوية النفسية) تسبب انكماشاً في الدماغ. حيث لوحظ أنّ حجم المادة الرمادية في الدماغ ينكمش بتأثير عدة أنواع من مضادات الذهان، وكلما زادت الجرعة زاد انكماش المادة الرمادية، مما يؤدي بالتالي إلى تقليل كمية الرسائل العصبية المنتقلة خلال الدماغ. يقول الباحثون أنّ انكماش الدماغ قد يكون أمراً لا يُستهان به لأنّه يقلل من نشاط هرمون الدوبامين المسؤول عن الإحساس بالرضا والسعادة وذلك عن طريق تقليل الإحساس بالهلوسة والهذيان (ولكن الانكماش بفعل الأدوية يكون ضرورياً في تلك الحالات لأغراض علاجية).
كما أظهرت دراسةٌ حديثةٌ أُجريت في جامعة ييل Yale أنّ من يعاني من الاكتئاب عليه أنْ يخاف من المصير الذي سيؤول إليه دماغه، فقد وجدوا أنّ تغصنات الخلايا العصبية (وهي تفرعات تتوضع في نهاية الخلية العصبية على شكل أغصان الشجرة وتقوم بوصل الخلايا العصبية ببعضها مما يسمح بمرور الرسالة العصبية من خلية لأخرى) تنكمش عندما يقل الشعور بالسعادة والفرح، كما وجدوا أنّ كمية وتركيز المادة الرمادية يقلّ عند الذين يعانون من الاكتئاب. وإضافة إلى ذلك، تبين أنّه عندما يتم إعطاء الفئران دواءً مضاداً للتوتر فإنّها تتوقف عن إنتاج البروتينات المدمرة للدماغ.
باستطاعة التوتر اليومي وأغلب ضغوط الحياة إحداث انكماش شديدٍ في خلايا القشرة ما قبل الأمامية (prefrontal cortex PFC) العصبية في الدماغ والمسؤولة عن الاستقلاب ومعالجة المشاعر وحلّ المشاكل.
هناك قسمٌ آخرٌ من الدماغ مسؤول عن الإحساس بالرضى يدعى الجسم المخطط (striatum)، وهو أيضا الجزء المسؤول في الدماغ عن الإثارة، وهذا هو السبب المباشر وراء كون مشاهدة الأفلام الإباحية تؤدي أيضاً إلى انكماش الدماغ. حيث اكتشف باحثون ألمان في دراسة حديثة أنّه كلما ازدادت متابعة الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 21 إلى 45 عاماً للأفلام الإباحية قلّت كمية المادة الرمادية في أدمغتهم. كما أنّ الاتصال القائم بين الجسم المخطط والقشرة ما قبل المحرِّكة، والذي يتحكم باندفاع الشخص ونشاطه الاجتماعي، ويكبت العواطف ويتحكم بالرغبة الجنسية، يصبح أسوأ كلما زادت متابعة الشخص للأفلام الإباحية. وبذلك توصل الباحثون إلى أنّ من يتابع الأفلام الإباحية يصبح عاجزاً عن صنع القرار والتحكم بتصرفاته مقارنةً مع غيره.
نصائح لتعزيز نشاط الدماغ وزيادة كفاءته:
قم بالتبديل بين يدك التي تستعملها عادةً ونظيرتها، وحاول تدريب عقلك بطريقةٍ جديدةٍ. فمثلا إنْ كنت معتاداً على استخدام يدك اليمنى قم بالتقاط قلمك بيدك اليسرى وحاول كتابة بعض الجمل بها يومياً. إنّ القيام ببعض المهام البسيطة مثل تناول الطعام أو تنظيف الأسنان بهذه اليد (اليسرى في هذه الحالة) سيجبر الدماغ على التعلم من جديد بطريقة تغذي مناطق من الدماغ بآليات عملٍ جديدةٍ ومختلفةٍ.
• تناول جرعةً يوميةً مقدارها 600 مغ من حمض الدوكوساهيكساين Doxosahexaenoic acid (المعروف بال DHA) لمدة ستة أشهرٍ، وهو حمض دسم من نوع أوميغا-3 يشكل اللبنة الأساسية في تشكيل أنسجة الدماغ. إنّ هذا الحمض معروفٌ أيضاً بمقاومته للالتهاب وتراكم اللويحات النشوانية المسببة للأمراض العصبية.
• أداء التمارين الرياضية يحسّن من الأداء المعرفي للدماغ، ويزيد من تنشيط الدماغ للعامل الموجه للعصب المشتق من الدماغ، وهو مادة تقوي الخلايا العصبية والاتصالات بينها. وقد أظهر أداء التمارين أنّه يشجع على تشكيل خلايا جديدة في الحصين، وهو العضو المسؤول عن الذاكرة وتنظيم وتخزين المعلومات.
• التأمل والصلاة والسكينة وممارسة اليوغا يعطي الدماغ القوة التي يحتاجها، إذ يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، وعدد ضربات القلب، والقلق.
*اللويحات النشوانية plaques: يُقصد بها تجمعات شاذّة من جزيئات بروتينية تتراكم بين الخلايا العصبية لدى بعض الأشخاص وتسبّب مع الزمن عدداً من الأمراض العصبية مثل ألزهايمر.
(المصدر: هنا)
مصدر المقال: