التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية
غشاء البكارة والعذرية الجنسية في متناول العلم
مفهوم العذريَّة لدى العامَّة:
هو ما يُعبِّر عن طهارة الأنثى الجنسية والدلالة القاطعة على عدم ممارستها الجنس قبل الزواج؛ وذلك بنزف دم لدى أول علاقة جنسية لها مع زوجها نتيجة تمزُّق غشاء البكارة؛ الذي يسدُّ جزئيًّا مجاريها التناسلية ويسبب هذا النزف الذي يحتفل به الكثيرمن الناس، وفي الحقيقة هناك منظور ناقص من قبل هذه المجتمعات عن بنية هذا الغشاء ودرجة أهميته في جسم الأنثى، وسنطلعك في هذا المقال على بنيته وأشكاله المختلفة لوضع مفهوم أفضل عن موضوع العذرية.
تعريف غشاء البكارة ومنشئه الجنيني:
إنَّ غشاء البكارة؛ غشاء مخاطيّ يوجد لدى معظم الفتيات ويسدُّ فتحة المهبل جزئيًّا.
ولفهم حقيقة وجود غشاء البكارة علينا أن نفهم بعض المعلومات الجنينية عن تطور الجهاز التناسلي لدى الذكر والأنثى؛ ففي أثناء مراحل تطور الجنين فإنَّه يمر بمرحلتين هما: مرحلة غير محددة الجنس، ومرحلة التمايز الجنسي، وينشأ في أثناء المرحلة الأولى لدى الجنين بنيتان جنينيتان تسميان: قناة مولر، وقناة وولف، أمَّا في المرحلة التالية فتبدأ الهرمونات الجنسية لدى الجنين بتوجيه تمايز الجنس باتجاه أحد الجنسين، فإمّا أن تتطوّر قناة مولر إلى جهاز تناسليّ أنثويّ، وإمّا أن تتطوّر قناة وولف إلى جهاز تناسليّ ذكري، ولا بدّ هنا للدقّة العلميّة من الإشارة إلى تشارك هذه الأعضاء مع الجهاز البوليّ في المنشأ الجنيني والطّرق البوليّة لدى الذّكر لاحقًا.
وبالعودة إلى تطور الجهاز التّناسلي الأنثوي؛ فإنَّ قناة مولر ستتطوّر، في حين ستضمر قناة وولف، ويُعدُّ غشاء البكارة المقابل الجنينيّ للحويصل المنوي عند الذكر ولا يُعدُّ عضوًا وظيفيًّا في جهاز التناسل الأنثوي حتى إنَّ الدراسات الجنينية لا تُركِّز عليه، فهو ينضم إلى عائلة الأعضاء غير الضّرورية مع الحلمة عند الذكور، وأضراس العقل، والزّائدة الدّوديّة... الخ، ولا يملك أيَّة وظيفة في جسم الأنثى.
أنماط غشاء البكارة لدى الإناث:
ذكرنا سابقًا أنَّ هذا الغشاء يوجد لدى معظم الإناث وبأشكال مختلفة، مما خلق حوله أحياناً بعض المشكلات الصحيّة أو الاجتماعيّة، وهدفنا هنا تقديم المعلومات الأساسيّة لتجنّب بعض هذه المشكلات، وسوف نطرح هنا الأشكال الأشيع فقط؛ إذ يوجد الكثير من التنوع في شكل غشاء البكارة.
1- الغشاء الحَلَقي Annular Hymen أو الهلالي Crescentic Hymen:
النّمط الأكثر شيوعًا؛ وهو النّمط الطبيعيّ الذي تتمكّن من خلاله الأنثى من طرح دم الطّمث وبطانة الرحم الميتة دون أيَّة مشكلة صحيّة في الحالة الطبيعيّة. وأوضحت دراسةٌ أجريت على النساء التركيات؛ بأنَّ نسبة النساء اللواتي تُولد بهذا النمط من الأغشية هو 53% فقط.
2- الغشاء المسدود Imperforate Hymen:
وهو حالة لا يحوي فيها الغشاء أي ثقوب ضمنه، وهي مشكلة قابلة للكشف منذ الولادة لكنَّها غالبًا ما تُكتشف عند أول طمثٍ لأنًّ المريضة تعاني من ألمٍ في البطن وأسفل الظهر بسبب عدم قدرتها على طرح دم الطمث وقد تعاني من بعض المشكلات في طرح البول أو البراز أحيانًا، ويكون العلاج بجراحةٍ صغرى يُثقب فيها هذا الغشاء جراحيًّا لتشكيل فتحةٍ طبيعيةٍ للمهبل كي تتمكَّن الفتاة من إطراح دم الطمث طبيعيًّا.
3- الغشاء ذو الثقب المكروي Microperforate Hymen:
وهو غشاءٌ يكاد يكون مسدودًا تمامًا لكنَّه يحوي ثقبًا صغيرًا، يمكن للدم المرور بواسطته بصعوبة ونظرًا لمرور الدم قد تتأخر الأنثى باكتشاف مشكلتها لأنَّها بهذا الغشاء لن تتمكن من إقامة علاقة جنسية مع شريكها، ويكون العلاج أيضًا بجراحةٍ صغرى لإنشاء فتحةٍ طبيعية للمهبل.
4- الغشاء الحاجزي Septate Hymen:
يحتوي هذا الغشاء عادةً فتحةً طبيعيةً، لكنَّه يحتوي قطعةً من نسيجٍ إضافي تُشكِّل حاجزًا في منتصف الفتحة، وهو ما يُعيق العملية الجنسية ويكون الحل بجراحةٍ صغرى لإزالة النسيج الإضافي والحصول على فتحة طبيعية.
كيف يمكن أن يتمزّق غشاء البكارة؟ وهل يُعدُّ النّزف شرطًا أساسيًّا؟
إنَّ غشاء البكارة هو غشاء غنيٌّ بالشعيرات الدموية؛ قد يتمزَّق في أثناء العملية الجنسية الأولى في حياة الأنثى، ولكنَّه قد يكون عرضة للتمزُّق بسبب نشاطاتٍ أخرى مثل ممارسة بعض الرّياضات كألعاب الجمباز، وركوب الخيل، وركوب الدراجة...الخ، وكذلك بسبب بعض العادات كاستخدام السدّادات القطنيّة Tampons أو بعض العادات التي تؤدي إلى تمزيقه، أو أية أذيّة في المنطقة الإرَبية.
وفي الحقيقة قد أثبتت الاحصائيات والتّجارب أنَّ النزف لا يُعدُّ شرطًا لتمزقه أول مرة، وذلك لأنَّه قد يختلف من امرأة إلى أخرى، فيتميز هذا الغشاء بالمرونة التي تزداد بعد البلوغ بما يسمح بحصول علاقة جنسية دون حدوث تمزق فيه.
تمتلك بعض النساء غشاءً ثخينًا ينزف بشدة عند تمزقه أول مرة، في حين تملك بعض النساء غشاءً رقيقًا وقد لا يمتلك من الشعيرات ما يكفي لحدوث نزف تشعر به الفتاة، وهو أحيانًا ما يؤدي إلى خسارته في أثناء ممارسة بعض الرياضات دون أن تشعر الفتاة بذلك خصوصًا أنَّه قد يحدث على نحوٍ تراكمي وليس في لحظةٍ معينة، فنجد الفتاة حائرة لا تعلم أين ومتى اختفى الغشاء على الرغم من أنَّها لم تمارس الجنس سابقًا.
وكذلك فإنَّ شكل الغشاء يؤدِّي دورًا في هذا المجال، وهو ما حاولنا طرحه في الجزء السابق من المقال، فقد تُولد بعض الفتيات بغشاء ضئيل يترك فتحة واسعة للمهبل مما يؤدي إلى امتطاطه في أثناء العملية الجنسية دون أن يتسبب ذلك بالنزف؛ ويدعى بالغشاء المطاطي، فضلًا عن أنَّ نسبة من الإناث تولد دون غشاء أصلًا، وقد يكون السبب تطوريًّا لأنَّه -كما أسلفنا- غشاء غير وظيفي.
هل يُعدُّ النزف في أثناء العملية الجنسية دليلًا على عذرية المرأة؟
ساد الاعتقاد بهذا الشأن زمنًا طويلًا، إذ عدَّ الرجال عبر العصور دم النزف الدليل على عفة المرأة الجنسية وعدم حصولها على شريك جنسي مسبقًا، إضافةً إلى عدة عوامل أخرى، فقد كانت الدراسات عن جسم المرأة موضوعًا قليل التناول بين الناس وصعب التداول، فساد الجهل عن جسم المرأة زمنًا طويلًا. وكانت العملية الجنسية في تلك الأزمان أمرًا يخص الرجال وحدهم، وكانت تؤدي القسوة الجنسية إلى نزفٍ شديد وتورم وشعور بالمرض عدة أيام عند المرأة، خصوصًا أنَّ المرأة بحد ذاتها كانت تعدُّ الجنس واجبًا تؤديه لزوجها حتى وإن رغبت عنه، ولم تعده حاجة بيولوجية طبيعية.
لكنَّ الدّراسات أثبتت أنَّ هذه الاعتقادات غير دقيقة، وحسب دراسة الدكتورة سارة باترسون براون عام 1998 التي نشرت في المجلة الطبية البريطانية؛ فإنَّ 63% من النساء لم ينزفن في أول عملية جنسية، وبُرِّر ذلك علميَّا بأنَّ هذا الغشاء لا يحمل الشكل ولا الثخانة نفسها لدى جميع النساء، وكذلك ولادة نساء دون غشاء أصلًا أو بغشاء صغير قد لا يكفي لحدوث النزف المرئي.
وأحيانًا قد يُعدُّ النزف مؤشرًا سلبيًّا؛ فيكون سبب النزف هو دم الطمث أو نزيف بعض أجزاء الطرق التناسلية الأنثوية نتيجة الإصابة ببعض الأمراض؛ كالكلاميديا والسيلان وداء المشعرات وكذلك الأورام الحميدة لعنق الرّحم أو تورم عنق الرحم نتيجة الاتهابات أو نتيجةً للحمل، وكذلك فإن المستويات المنخفضة للاستروجين تجعل جدران المهبل رقيقة وأكثر عرضة للنزف ونلاحظ ذلك بوضوحٍ لدى النساء في سن الضهي، وأحيانًا يعدُّ النزف دليلًا على العنف الجنسي والضغط على المرأة، ولا بد من مراعاة عمر المرأة التي نتحدث عنها فهذا الغشاء عرضة للتهتك بمرور الزمن وسيختلف الأمر بين امرأة في بداية العشرينات عنه لدى امرأة في نهاية الثلاثينات.
في الحقيقة ومن وجهة نظر العلم؛ فإنَّ هذه الأسطورة هي دليل غير قاطع على عذرية المرأة، وقد تعاني بعض النّساء من الرّهاب قبل ممارسة العمليّة الجنسيّة الأولى مع أزواجهن نتيجة الخوف وانتظار النّزف، وقد يدفعهن الأمر إلى تزييف دم النّزف أحيانًا، وإنَّ الممارسة الصحيحة للجنس أول مرة تساعد المرأة على الاسترخاء وتُقلل من عملية النزف والألم المصاحب له، ويعدُّ ذلك أمرًا إيجابيًّا ودليلًا على اشتراك كل من الجنسين في العملية الجنسية، ويجدر بنا التنبيه إلى أنَّ الخرافات عن ألم تمزق الغشاء -في حال الممارسة الجنسية الصحيحة- أمر مبالغ فيه، وقد ذكرنا في سياق المقال أنَّه قد يتمزق دون أن تشعر الأنثى.
ويعتقد علماء النفس والأخصائيون -خصوصًا في غياب دليل على عذرية الرجل- أنَّ الصدق والثقة بين الزوجين هي أفضل طريقة لاكتشاف العذرية لكل منهما وهي الحل الأسلم صحيًّا وجنسيًّا واجتماعيًّا.
وسنتكلم عن عملية استعادة العذرية
المصادر:
مصادر اللمحة التطورية: هنا
مصادر أنماط الغشاء:
مصادر العملية الجنسية الأولى: