البيولوجيا والتطوّر > التطور
قدرات اجتماعية لدى الغربان تحاكي تلك الموجودة لدى البشر!
يعرف عن البشر ذكاؤُهم وقدراتهم الاجتماعية، ويستخدم البعض مصطلح " دماغ الطيور" كنايةً عن الغباء، ولكن بعكس توقعاتنا، فإنَ الطيور أثبتت قدراً كبيراً من الذكاء في كثير من المهام!
ومع ذلك، لا يُعرف إلا القليل عن مهاراتهم الاجتماعية حيث أظهرت دراسة جديدة أن الغربان أفضل اجتماعياً مما كنا نظنّ، فهم قادرون على استنباط الأنماط الاجتماعية لمجموعات أخرى من الطيور، وهو أمرٌ انفرد البشر بالقدرة على القيام به،وهذه بعض المهارات الاجتماعية التي استطاع العلماء التعرّف عليها لدى الغربان:
- السيادة في المجتمع:
أراد جورج ماسن (Jorg Massen) وزملاؤه من جامعة فيينا معرفة المزيد حول المهارات الاجتماعية عند الطيور، فقاموا بدراسة سلوكية الغربان التي تعيش في مجموعات اجتماعية. في دراستهم التي نشرت في مجلة
Nature Communicationsحاولوا معرفة فيما إذا كانت الغربان ذكيّة بما فيه الكفاية لفهم العلاقات ضمن مجموعات اجتماعية خاصة بها، وكذلك إذا ما كان بإمكانهم معرفة الفئات الاجتماعية التي لم تكن قط جزءاً منها.
تتسم الغربان داخل مجتمعها بالعدائية فيما يخصُ ترتيبها في المجموعة; فللغربان ذوي المرتبة الأعلى فرصٌ أفضل في الحصول على الغذاء والموارد الأخرى. أضف إلى ذلك، فالذكور أعلى مرتبةً من الإناث، والمواجهات تحدث في الغالب بين أفراد من نفس الجنس.
تبدأ هذه المواجهات من قبل الغربان الأعلى رتبةً ،التي تقف في وجه الطيور الأدنى رتبةً، حيث تصدر أصواتاً محددةً لتأكيد سيطرتها. أما المستوى الأدنى، أو الخاضع إليها، يقوم عادةً بنداء محدد للاعتراف بالتفوّق الاجتماعي للغراب رفيع المستوى. من خلال هذه العملية، يضمن الغراب المهيمن موقعه الاجتماعي ويحافظ عليه.
لكن في بعض الأحيان، لا تستجيب الطيور الأقلُ مرتبةً لدعوة الهيمنة – ما يعرف باسم النداء المعاكس للهيمنة، وهذه الحالات غالباً ما تؤدي إلى مواجهات، ويمكن أيضاً أن تؤدي إلى تغييرات في البنية الاجتماعية ضمن مجتمعات الغراب.
قام ماسن بأسر مجموعة من الغربان في مكان واحد وسجَل الصراعات التي تدور بينها. وشملت هذه الصراعات: الصراعات العادية (فيها تقوم الطيور الأقل رتبةً بالاستجابة لنداء الغربان المهيمنة ذات المرتبة العالية)،وصراعات انعكاس الهيمنة أو انقلابها. وقد استخدم نفس الأسلوب أيضاً لالتقاط نداءات من الغربان في مجموعات مختلفة تمَ إيواؤها بشكل منفصل.
بعد ذلك تم عزل أفراد الغربان من المجموعة في أقفاص منفصلة، ثم قام الباحثون بتشغيل تسجيلات لنداءات مختلفة بحيث تحاكي تلك الموجودة في الطبيعة حيث يسمع الغراب اثنين من الغربان الأخرى في مواجهة بينهما. .
وقال ماسن : "رصدنا استجاباتهم لهذه النداءات لمعرفة ما إذا كان لها رد فعل مختلف للنداءات الطبيعية المهيمنة والنداءات المهيمنة المنقلبة. استخدمنا أيضا تسجيلات مأخوذة من مجموعة أجنبية، لنرى فيما إذا كانت الغربان التي لدينا تستطيع التعرُّف على نفس السلوك في المجتمعات الأخرى."
- الإجهاد في العلاقة:
عند استخدام تسجيل لنداء هيمنة منقلبة مأخوذة من مجموعتهم الخاصة، أظهر الغربان سلوكاً مرتبطاً بالإجهاد، لأنهم توقعوا اضطراباً في النظام الاجتماعي. وعادة ما يتم التعبير عن هذا التوتر عند الغراب بالرّكض أو أن ينقر ريشه بتوتّر.
و قد أظهرت الغربان مستويات أعلى من التوتّر عندما استخدم نداء هيمنة منقلب من أفراد من نفس الجنس. هذا الأمر يبدو معقولاً تماماً، لأن النزاعات لا تحدث إلا بين أفراد من نفس الجنس. مواجهة بين اثنتين من الإناث، على سبيل المثال، لن يكون لها تأثير كبير على الوضع الاجتماعي للغربان الذكور - ولكن من شأنه أن يؤثر على الإناث اللواتي يشهدن المواجهة. .
وقد كان توتر الغربان الإناث بشكلٍ عام أعلى من التوتر عند الذكور عندما سمعن تسجيلات الهيمنة المنقلبة. قد يكون هذا لأن الإناث دائماً في المرتبة الأدنى من الذكور، لذلك تشكل التغييرات في هيكل المجتمع خطراً أكبر تتعرض له الإناث، وأهمها خطر انخفاض فرص الحصول على الغذاء في المقام الأول.
-مهارات مشاهدة التلفاز:
إن النتيجة الأكثر إثارةً للإعجاب، أن الغربان لاحظت نداءات الهيمنة المنقلبة في المجموعات المختلفة من الغربان، ولكنّها أظهرت إجهاداً أقل مما كانت عليه عندما سمعت مثل هذه النداءات من المجتمع الخاص بهم. وللتأكد من أن الغربان لم تتعرّف على النداءات فقط بسبب كونها أصوات مختلفة سماعياً، استخدم ماسن نداءات من تجمّع مختلف، والتي لم تكن نداءات الهيمنة المنقلبة، ورأى أن الغربان لم تظهر أي توتّر كاستجابة لتلك النداءات..
وقال ماسن: "هذا يدل على أن الغربان قادرة على خلق استجابة عقلية للعلاقة الدينامية للمجموعات التي لم تتفاعل معها أبداً من قبل، مثلنا تماما عندما نشاهد التلفاز، وهذه القدرة لم تلاحظ حتّى في القرود الى الآن."
أوضح اليكس ثورنتون من جامعة اكستر(Exeter): "إن نتائج هذه الدراسة مثيرةٌ بلا شك، ولكن ينبغي الاعتراف بأن استخدام اسلوب حبس الغربان والاحتفاظ بها في مقربة من هذا القبيل مع بعضها البعض، يؤثّر على قدرة الغربان في الحكم على سلوك بعضها البعض."
بالإضافة إلى إظهار القدرات الاجتماعية لدى الغربان، والتي اعتُقد في السابق أنها توجد لدى البشر حصرأ، هذه النتائج تعطي فكرةً عن أن المهارات الاجتماعية للغربان قد تطورت مع تطور المجتمعات.
فهل من الممكن أن تُظهر الدراسات القادمة قدرات اجتماعية أخرى لدى الغربان او لدى غيرها من الحيوانات؟ لا يزال البحث في هذا الجانب مستمرّاً حتى يومنا هذا.
المصدر: هنا