البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
أملٌ جديدٌ في إيجاد طريقة لإيقاف أمراض
يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من أمراض المناعة الذاتية، مثل التصلّب النسيجي المتعدد (Multiple Sclerosis)،الذئبة الحمراء (Lupus Erythematosis)، وغيرها من الأمراض الناتجة عن قيام جهازنا المناعي بمهاجمة الخلايا الطبيعية في أجسامنا عن طريق الخطأ... ولكن هل يمكن السيطرة على هذه الأخطاء في عمله؟ وهل يمكن بالفعل إيقاف أمراض المناعة الذاتية؟
دعونا نتعرّف أكثر على هذا الموضوع في المقال التالي..
أمراض المناعة الذّاتية هي أمراض ناتجة عن مهاجمة جهازنا المناعي لخلايا الجسم الطبيعية بسبب خلل في مقدرته على التعرّف الى "الأجسام الغريبة"، فيقوم عن طريق الخطأ بمهاجمة الخلايا الطبيعية مسبّباً الأذى للخلايا والأنسجة وأحياناً للأعضاء كاملة، وهذه الأمراض تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم!
أملٌ جديد ظهر مؤخراً في الدراسة التي نُشرت في الثالث من أيلول 2014 فيNature Communications وفيها تمكَن العلماء من استهداف بعض الخلايا"العدائية"وجعلها تقوم بدور معاكس لدورها فتحمي الجسم من المرض بدلاً من مهاجمته!
فتمكنوا من قلب الدور وذلك عن طريق استخدام "العلاج المناعي الخاص بالمستضد" (Antigen-specific immunotherapy) كطريقة لعلاج العديد من أمراض المناعة الذاتية مثل: تصلب الأنسجة (Multiple Sclerosis) والذي يؤثر على حوالي 2.5 مليون شخص حول العالم! ومن الجدير بالذكر أن هذه الطريقة جُربت بالفعل على أمراض الحساسية، وتمت تسميتها "Allergic desensitization"، وفيها تم حقن جرعات متزايدة من المستضد (Antigen) في المراحل الأولى للعلاج وصولاً إلى حقن جرعات كبيرة حتى تم إزالة تأثير الحساسية بشكل مقبول.
ولقد أوضحت الدراسة بأن حقن أجزاء من البروتينات التي تكون بالعادة هدفاً للمناعة الذاتية، يؤدي الى تصحيح مسار استجابة الجهاز المناعي، وللوصول إلى نتيجة علاجية فعّالة ينبغي أن يتم زيادة جرعة جزيء البروتين المحقون تدريجياً وليس دفعة واحدة.
لمعرفة كيفية عمل هذا النوع من العلاج المناعي، قام العلماء بتركيز دراستهم على الخلايا المناعية نفسها لمعرفة أي الجينات و البروتينات يتم تفعيلها وأيها يتم إلغاء تفعيلها خلال عملية العلاج. وقد وجد الباحثون العديد من التغييرات التي تحدث على المستوى الجيني وتساعد على معرفة كيفية تحويل الخلايا العدائية الى خلايا تحمي الجسم من الأمراض. والهدف هو إعادة تفعيل قدرة الجهاز المناعي على التعرّف الى خلايا الجسم الطبيعية وتجنّب مهاجمتها، مع الحفاظ على قدرته على مهاجمة الأجسام الغريبة.
فمثلاً عند تجربة هذه الطريقة على مرض التصلب النسيجي المتعدد ( Multiple Sclerosis)، تم حقن جرعة من بروتين الميلين القاعدي (myelin basic protein) مما أدى الى التحفيز المستمرّ والمتكرّر للخلايا المناعية، وهذا مادفع الجهاز المناعي إلى زيادة إنتاج خلايا مناعية متخصصة في محاربة المستضد(Antigen) الذي تم حقنه، وخُفض تفعيل النشاط المناعي تجاه باقي الخلايا الطبيعية. حيث أن هذه الخلايا المتخصصة تقوم بزيادة نشاط الجهاز المناعي في منطقة حقن المستضد(Antigen)، وتخفَض من نشاطه في باقي المناطق والتي تشمل بالطبع مناطق الخلايا الطبيعية.
إنَ هذه الطريقة تساعد الجهاز المناعي على تمييز الخلايا غير الطبيعية واستهدافها حصراً دون المسّ بالخلايا الطبيعية، وهذا ما سيساعد في علاج أمراض المناعة الذاتية دون اللجوء الى العلاجات المثبّطة لجهاز المناعة وما يرافقها من أعراض جانبية مثل العدوى، تطوّر الاورام، وتعطّل أليات التنظيم الطبيعية في الجسم.
يقول البروفيسور ديفيد وارث، الذي يقود عملية البحث في هذا المجال: " إن دراسة الأساس الجزيئي لهذا العلاج المناعي يفتح آفاقاً مثيرة وجديدة لتعزيز قدرتنا على اختيار الأسلوب العلاجي الأمثل، وقياس مدى فعاليّة العلاج. هذه النتائج لها تطبيقات وآثار مهمّة لعديد من المرضى الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية والتي يصعب علاجها حالياً".
ويتم حالياً اختبار هذا الاسلوب العلاجي على المستوى السريري، للمساعدة في تحسين حياة الملايين من مرضى المناعة الذاتية حول العالم.
الحاشية:
*المستضد(Antigen): هو أي جزيء يعمل على تحفيز الجهاز المناعي للاستجابه له ومهاجمته.
المصادر:
مصدر الصورة: